للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أضاءت لهم نارُ الإيمان فأبصروا في ضوئها مواقعَ الهدى والضَّلال، ثمَّ طفئ ذلك النُّورُ، وبقيت نارٌ تأجَّجُ ذاتُ تلهُّبٍ (١) واشتعالٍ، فهم بتلك النَّار معذَّبون، وفي تلك الظُّلمات يعمهون. {مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَارًا فَلَمَّا أَضَاءَتْ مَا حَوْلَهُ ذَهَبَ اللَّهُ بِنُورِهِمْ وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُمَاتٍ لَا يُبْصِرُونَ} [البقرة: ١٧].

أسماعُ قلوبهم قد أثقَلَها الوَقْرُ فهي لا تسمع منادي الإيمان، وعيونُ بصائرهم عليها غشاوة العَمى فهي لا تُبصر حقائق القرآن، وألسنتهُم بها خَرَسٌ عن الحقِّ فهم به لا ينطقون، {صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لَا يَرْجِعُونَ} [البقرة: ١٨].

صابَ عليهم صيِّبُ الوحي وفيه حياة القلوب والأرواح، فلم يسمعوا منه إلّا رعدَ التَّهديد والوعيد والتَّكاليف التي وظِّفت (٢) عليهم بالمساء والصَّباح. فجعلوا أصابعهم في آذانهم، واستغشَوا ثيابهم، وجدُّوا في الهرب والطَّلب في آثارهم والصِّياح. فنُودي عليهم على رؤوس الأشهاد وكُشفت حالُهم للمستبصرين، وضُرب لهم مثلان بحسب حال الطّائفتين منهم: النَّاظرين، والمقلِّدين، فقيل: {أَوْ كَصَيِّبٍ مِنَ السَّمَاءِ فِيهِ ظُلُمَاتٌ وَرَعْدٌ وَبَرْقٌ يَجْعَلُونَ أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ مِنَ الصَّوَاعِقِ حَذَرَ الْمَوْتِ وَاللَّهُ مُحِيطٌ بِالْكَافِرِينَ} [البقرة: ١٩].

ضعفت أبصارُ بصائرهم عن احتمال ما في الصَّيِّب من بروق أنواره وضياء معانيه، وعجزت أسماعُهم عن تلقِّي رُعود وعيده (٣) وأوامره


(١) ع: "لهب".
(٢) ش: "وضعت".
(٣) ع: "وعوده". ج: "تلقي وعيده ووعده".

<<  <  ج: ص:  >  >>