يُنفقوه. كم ذكَّرهم الله بنِعَمه فأعرضوا عن ذكره ونسوه! وكم كشَفَ حالهم لعباده المؤمنين ليجتنبوه! فاسمعوا أيُّها المؤمنون:{الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمُنْكَرِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمَعْرُوفِ وَيَقْبِضُونَ أَيْدِيَهُمْ نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ هُمُ الْفَاسِقُونَ}[التوبة: ٦٧].
إن حاكمتَهم إلى صريح الوحي وجدتَهم عنه نافرين، وإن دعوتَهم إلى حكم كتاب الله وسنّة رسوله رأيتهم عنه مُعرضين. فلو شهدت حقائقَهم لرأيتَ بينها وبين الهدى أمدًا بعيدًا، ورأيتَها معرضةً عن الوحي إعراضًا شديدًا، {قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَى مَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ رَأَيْتَ الْمُنَافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنْكَ صُدُودًا (٦١)} [النساء: ٦١].
فكيف لهم بالفلاح والهدى بعدما أصيبوا في عقولهم وأديانهم! وأنّى لهم التّخلُّصُ من الضَّلال والرَّدى وقد اشتروا الكفرَ بإيمانهم! فما أخسَر تجارتَهم البائرة وقد اشتروا بالرَّحيق المختوم حريقًا! {إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ ثُمَّ جَاءُوكَ يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ إِنْ أَرَدْنَا إِلَّا إِحْسَانًا وَتَوْفِيقًا (٦٢)} [النساء: ٦٢].
نشِبَ زَقُّومُ الشُّبَه والشُّكوك في قلوبهم، فلا يجدون لها مُسيغًا (١)، {الَّذِينَ يَعْلَمُ اللَّهُ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَعِظْهُمْ وَقُلْ لَهُمْ فِي أَنْفُسِهِمْ قَوْلًا بَلِيغًا (٦٣)} [النساء: ٦٣].
تبًّا لهم، ما أبعدهم عن حقيقة الإيمان! وما أكذَب دعواهم للتَّحقيق والعرفان! فالقومُ في شأنٍ، وأتباعُ الرَّسول في شأنٍ! ولقد أقسم الله جلَّ جلالُه
(١) كذا ضبط بضم الميم في ق، ل، م، ع. وفي ش بفتح الميم وهو سائغ أيضًا.