للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

في كتابه بنفسه المقدَّسة قسمًا عظيمًا، يعرف مضمونَه أولو البصائر، فقلوبُهم منه على وجَلٍ إجلالًا له وتعظيمًا، فقال تعالى تحذيرًا لأوليائه وتنبيهًا على حال هؤلاء وتفهيمًا: {وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا (٦٥)} [النساء: ٦٥].

تسبق يمينُ أحدهم كلامَه من غير أن تُعرضَ (١) عليه، لعلمه بأنّ قلوب أهل الإيمان لا تطمئنُّ إليه، فيتبرّأ بيمينه من سوء الظّنِّ به وكشفِ ما لديه. وكذلك أهلُ الرِّيبة يكذبون، ويحلفون ليحسبَ السَّامعُ أنّهم صادقون، وقد {اتَّخَذُوا أَيْمَانَهُمْ جُنَّةً فَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّهُمْ سَاءَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [المنافقون: ٢].

تبًّا لهم! برزوا إلى البيداء مع ركب الإيمان، فلمّا رأوا طولَ الطَّريق وبعدَ الشُّقَّة نكصوا على أعقابهم ورجعوا، وظنُّوا أنّهم يتمتَّعون بطيب العيش ولذّة المنام في ديارهم، فما مُتِّعوا به ولا بتلك النُّجْعة (٢) انتفعوا. فما هو إلّا أن صاح بهم الصَّائحُ فقاموا عن موائد أطعمتهم والقومُ جياعٌ ما شبعوا، فكيف حالهم عند اللِّقاء، وقد عرفوا ثمّ أنكروا، وعمُوا بعدما عاينوا الحقَّ وأبصروا! {ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا فَطُبِعَ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لَا يَفْقَهُونَ} [المنافقون: ٣].

أحسَنُ النَّاس أجسامًا، وأحلاهم (٣) لسانًا، وألطفُهم بيانًا، وأخبثُهم


(١) ش: "يعزم".
(٢) ع: "الهجعة".
(٣) ع: "وأخلبهم".

<<  <  ج: ص:  >  >>