للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لحقِّ الله، وقيمةُ الصَّيد لمالكه. وكذلك لو (١) غصَبَ خمرَ ذمِّيٍّ وشرِبَها لزمه الحدُّ حقًّا لله، ولزمه عندكم ضمانُها للذِّمِّيِّ (٢). ولم يلزمه ضمانٌ عند الجمهور، لأنّها ليست بمالٍ، فلا تُضْمَن بالإتلاف كالميتة.

قالوا: وأمّا قولكم: إنَّ قطعَ اليد مجموعُ الجزاء، إن أردتم أنَّه مجموعُ العقوبة فصحيحٌ، فإنّه لم يبق عليه عقوبةٌ ثانيةٌ. ولكنَّ الضَّمان ليس بعقوبةٍ للسَّرقة، ولهذا يجب في حقِّ غير الجاني، كمن أتلف مالَ غيره خطأً أو إكراهًا أو في حال نومه، أو أتلفه إتلافًا مأذونًا له فيه، كالمضطرِّ إلى أكله، أو المضطرِّ إلى إلقائه في البحر لثقل السَّفينة، ونحو ذلك. فليس الضَّمان من العقوبة في شيءٍ.

وأمّا قولكم: إنَّ الله تعالى لم يذكر في القرآن تضمينَ السَّارق والمحارب، فهو لم ينفه أيضًا، وإنَّما سكت عنه، فحكمُه مأخوذٌ من قواعد الشَّرع ونصوصه كقوله تعالى: {فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ} [البقرة: ١٩٤]. وهذا قد اعتدى بالإتلاف، فيُعتدى عليه بالتَّضمين. ولهذا أوجبنا ردَّ العين إذا كانت قائمةً، ولم يُذْكَر في القرآن. وليس هذا من باب الزِّيادة على النَّصِّ، بل من باب إعمال النُّصوص كلِّها، لا نُعطِّلُ بعضَها ونُعمِلُ بعضَها. وكذلك الجواب عن قوله في المحارب: {إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ} [المائدة: ٣٣]، أي عقوبتُهم.


(١) ع: "إذا".
(٢) أجاب عنه ابن الهمام في "فتح القدير" (٥/ ٤١٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>