للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كوقت الصَّلاة، فالوجوب في حقِّه ليس موقَّتًا محدودًا، بل هو على الفور كالزَّكاة والحجِّ عند من يراه على الفور، فلا يُتصوَّر فيه إخراجٌ عن وقتٍ محدودٍ هو شرطٌ لفعله. نعم، أولى الأوقات به الوقتُ الأوّلُ على الفور، وتأخيرُه عنه لا يوجِب كونه قضاءً.

فإن قيل: فما تصنعون بقضاء رمضان، فإنَّه محدودٌ على جهة التَّوسعة بما بين رمضانين، ولا يجوز تأخيرُه مع القدرة إلى رمضان آخر، ومع هذا لو أخَّره لزمه فعلُه وإطعامُ كلِّ يومٍ مسكينًا كما أفتى به الصَّحابة - رضي الله عنهم -؟ وهذا دليلٌ على أنَّ العبادة الموقَّتة لا يتعذَّر فعلُها بعد خروج وقتها المحدود لها شرعًا.

قيل: قد فرَّق الشَّارعُ بين أيّام رمضان نفسها وبين أيّام القضاء، فجعَل أيَّامَ رمضان محدودةَ الطَّرَفين لا يجوز تقديمها ولا تأخيرها (١)، وأطلق أيّام قضائه فقال سبحانه: {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (١٨٣) أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} [البقرة: ١٨٣ - ١٨٤]، فأطلق العدَّةَ ولم يوقِّتها. وهذا يدلُّ على أنّها تجزئ في أيِّ أيّامٍ كانت، ولم يجئ نصٌّ عن الله تعالى ولا عن رسوله - صلى الله عليه وسلم - ولا إجماعٌ على تقييدها بأيّامٍ لا تجزئ في غيرها. وليس في الباب إلّا حديثُ عائشة - رضي الله عنها -: كان يكون عليَّ الصَّومُ من رمضان، فلا أقضيه إلَّا في شعبان. الشُّغلُ (٢) برسول الله - صلى الله عليه وسلم - (٣). ومعلومٌ أنَّ هذا ليس


(١) "تقدُّمها ولا تأخُّرها".
(٢) ج: "من الشغل" وكذا في هامش ع من نسخة. وفي م، ش، ع: "للشغل". وما أثبت من ق، ل صوابٌ موافق لما في "صحيح مسلم".
(٣) أخرجه البخاري (١٩٥٠)، ومسلم (١١٤٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>