للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وكذلك تأخيرُ الصَّحابة - رضي الله عنهم - العصرَ يومَ بني قريظة، فإنَّه كان تأخيرًا مأمورًا به عند طائفةٍ من أهل العلم كأهل الظَّاهر، أو تأخيرًا سائغًا للتّأويل عند بعضهم. ولهذا لم يعنِّف النّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - من صلَّاها في الطَّريق في وقتها، ولا من أخَّرها إلى اللَّيل حتّى صلَّاها في بني قريظة، لأنَّ هؤلاء تمسَّكوا بظاهر الأمر، وأولئك نظروا إلى المعنى والمراد منهم وهو سرعةُ السَّير.

واختلف علماء الإسلام في تصويب أيِّ الطَّائفتين (١).

فقالت فرقةٌ: لو كنَّا مع القوم لصلَّينا في الطَّريق مع الذين فهموا المراد وعقلوا مقصود الأمر، فجمعوا بين إيقاع الصَّلاة في وقتها وبين المبادرة إلى العدوِّ، ولم يفُتهم مشهدُهم، إذ المقدارُ الذي سبقهم به أولئك لحقوهم به لمَّا اشتغلوا بالصَّلاة وقتَ النُّزول (٢). قالوا: فهؤلاء أفقه الطَّائفتين، جمعوا بين الامتثال والاجتهاد والمبادرة (٣) إلى الجهاد مع فقه النَّفس.

وقالت طائفةٌ: لو كنَّا معهم لأخَّرنا الصَّلاةَ مع الذين أخَّروها إلى بني قريظة، وهم الذين أصابوا حكمَ الله قطعًا. وكان هذا التَّأخيرُ واجبًا لأمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - به، فهو الطَّاعةُ لله ذلك اليومَ خاصَّةً. واللهُ يأمر بما يشاء، فأمرُه بالتَّأخير في وجوب الطَّاعة كأمره بالتَّقديم؛ فهؤلاء كانوا أسعدَ بالنَّصِّ، وهم الذين فازوا بالأجرين. وإنّما لم يُعنِّف الآخَرين لأجل التّأويل والاجتهاد،


(١) وانظر: "زاد المعاد" (٣/ ١٥٤ - ١٥٥)، و"أعلام الموقعين" (١/ ٤٠٥)، و"كتاب الصلاة" (ص ١٨٩ - ١٩٠).
(٢) في ع بعده زيادة: "في بني قريظة".
(٣) ش: "المبارزة"، تصحيف.

<<  <  ج: ص:  >  >>