للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الثاني: أنَّه لا يمكن أن يُقتصَّ منه بمثل ما فعل لكونه محرَّمًا لحقِّ الله، فهو كما لو قتله باللِّواط وتجريع الخمر، فإنَّه يقتصُّ منه بالسَّيف.

وليس هذا موضع ذكر هذه المسائل، وإنّما ذُكِرت لما ذَكرنا أنَّ من النُّفوس البشريّة ما هي على نفوس الحيوانات العادية وغيرها. وهذا هو تأويل سفيان بن عُيَينة في قوله تعالى: {وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلَّا أُمَمٌ أَمْثَالُكُمْ} [الأنعام: ٣٨] (١).

وعلى هذا الشَّبه اعتمادُ أهل التّعبير للرُّؤيا في رؤية هذه الحيوانات في المنام عند الإنسان أو في داره، أو أنها تحاربه (٢). وهو كما اعتمدوه، وقد وقع لنا ولغيرنا من ذلك في المنام وقائع كثيرة فكان تأويلها مطابقًا لأقوامٍ على (٣) طباع تلك الحيوانات.

وقد رأى النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - في قصَّة أُحُدٍ بقرًا تُنحَر (٤)، فكان ما أصيب من


(١) أسنده الخطابيُّ في «العزلة» (ص ١٥٩) ــ ومن طريقه الواحدي في «البسيط» (٨/ ١٦) ــ عن محمد بن عبيد الله العُتْبي قال: كنا عند ابن عيينة فتلا هذه الآية وقال: «ما في الأرض آدمي إلا وفيه شَبَه من شبه البهائم، فمنهم من يهتصر اهتصار الأسد، ومنهم من يعدو عدو الذئب، ومنهم من ينبح نباح الكلب، ومنهم من يتطوَّس كفعل الطاوس، ومنهم من يشبه الخنازير التي لو أُلقي لها الطعامُ الطيب عافَتْه، فإذا قام الرجل عن رجيعه ولغت فيه، فكذلك تجد من الآدميين مَن لو سمع خمسين حكمةً لم يتحفَّظ واحدة منها، وإن أخطأ رجل أو حكى خطأ غيره تروَّاه وحفظه».
(٢) انظر: «البدر المنير في علم التعبير» للشهاب العابر المقدسي (ص ٢٧٥ وما بعدها).
(٣) غير محرّرة في الأصل، تشبه «في». في ج، ن: «عن» ثم أصلح في الأول إلى المثبت.
(٤) أُري النبي - صلى الله عليه وسلم - ذلك مرَّتين: مرّة قبل الهجرة كما في حديث أبي موسى عند البخاري (٣٦٢٢) ومسلم (٢٢٧٢) إلا أنه لم يُصرَّح فيه بأنه - صلى الله عليه وسلم - رآها تُنحَر، ومرَّة قُبيل وقعة أُحُد كما في حديث ابن عباس عند أحمد (٢٤٤٥) والحاكم (٢/ ١٢٩) والضياء في «المختارة» (١١/ ١٢٦) بإسناد جيّد. وله شاهد حسن من حديث أبي الزبير عن جابر عند أحمد (١٤٧٨٧) والدارمي (٢٢٠٥) والنسائي في «الكبرى» (٦٧٠٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>