للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وهؤلاء يشهدون أنّ الله سبحانه لم يخلق شيئًا عبثًا ولا سُدًى، وأنَّ له الحكمةَ البالغة في كلِّ ما قدّره وقضاه من خيرٍ وشرٍّ وطاعةٍ ومعصيةٍ، حكمةً باهرةً تعجِز العقول عن الإحاطة بكنهها وتَكِلُّ الألسُنُ عن التَّعبير عنها؛ فمصدر قضائه وقدره لِما يُبغضه ويَسخطه اسمه «الحكيم» الذي بهرت حكمته الألباب.

وقد قال تعالى لملائكته لمَّا قالوا: {أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ} فأجابهم سبحانه بقوله: {إِنِّيَ أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ} [البقرة: ٣٠]، فلله سبحانه في ظهور المعاصي والذُّنوب والجرائم وترتُّب آثارها عليها من الآيات والحِكَم، وأنواع التعرُّفات إلى خلقه، وتنويع آياته، ودلائل ربوبيَّته ووحدانيَّته وإلهيَّته وحكمته وعزَّته وتمامِ ملكه وكمالِ قدرته وإحاطةِ علمه= ما يشهده أولو البصائر عيانًا ببصائر قلوبهم، فيقولون: ربّنا ما خلقت هذا باطلًا، إن هي إلّا حكمتك الباهرة وآياتك الظاهرة.

ولله في كلِّ تحريكةٍ ... وتسكينةٍ أبدًا شاهدُ

وفي كلِّ شيءٍ له آيةٌ ... تدلُّ على أنّه واحدُ (١)

فكم من آيةٍ في الأرض (٢) بيِّنةٍ دالَّةٍ على الله، وعلى صدق رسله، وعلى أنّ لقاءه حقٌّ = كان سببُها معاصيَ بني آدم وذنوبَهم، كآيته (٣) في إغراق قوم نوحٍ، وعلوِّ الماء على رؤوس الجبال حتَّى أغرق جميع أهل الأرض ونجا


(١) البيتان لأبي العتاهية في «ديوانه» (ص ١٠٢ - ١٠٤) تحقيق شكري فيصل.
(٢) م: «فكم في الأرض من آية».
(٣) «كآيته» ساقط من ج، ن.

<<  <  ج: ص:  >  >>