للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بالخلق والحكم، وأنّه ما شاء كان، وما لم يشأ لم يكن، وأنّه لا تتحرّك ذرّةٌ إلّا بإذنه، وأنّ الخلق مقهورون تحت قبضته، وأنّه ما من قلبٍ إلّا وهو بين أصابعه (١)، إن شاء أن يقيمه أقامه، وإن شاء أن يزيغه أزاغه، فالقلوب بيده وهو مقلِّبها ومصرِّفها كيف شاء وكيف أراد، وأنّه هو الذي آتى نفوس المتقين (٢) تقواها، وهو الذي هداها وزكَّاها، وألهم نفوس الفجَّار فجورها وأشقاها. من يهده الله فلا مضلَّ له، ومن يضلل (٣) فلا هادي له؛ يهدي من يشاء بفضله ورحمته، ويضلُّ من يشاء بعدله وحكمته. هذا فضله وعطاؤه، وما فضل الكريم بممنونٍ؛ وهذا عدله وقضاؤه، {لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ} [الأنبياء: ٢٣].

قال ابن عبَّاسٍ - رضي الله عنهما -: الإيمان بالقدر نظام التَّوحيد، فمن كذَّب بالقدر نقض تكذيبُه توحيدَه، ومن آمن بالقدر صدَّق إيمانه توحيده (٤).

وفي هذا المشهد يتحقَّق للعبد مقامُ {إِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} (٥) علمًا وحالًا، فتَثبت قدم العبد في توحيد الرُّبوبيَّة (٦)، ثمَّ يرقى منه صاعدًا إلى توحيد الإلهيَّة، فإنه إذا تيقَّن أن الضرَّ والنَّفع، والعطاء والمنع، والهدى


(١) م، ش: «إصبعيه». ج: «إصبعين من أصابع الرحمن».
(٢) ش، ع: «المؤمنين».
(٣) ع: «يضلله».
(٤) سبق تخريجه (١/ ١٢٦).
(٥) م، ع: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ}. وكان قد ألحق أول الآية في هامش الأصل، ثم ضُرب عليه.
(٦) م، ش: «في مقام توحيد الربوبية».

<<  <  ج: ص:  >  >>