للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ويحبُّ المغفرة، ويحبُّ التّوبة، ويفرح بتوبة عبده حين يتوب إليه أعظم فرحٍ يخطر بالبال، فكان تقدير ما يغفره، ويعفو عن فاعله، ويحلم عنه، ويتوب عليه ويسامحه= من موجَب أسمائه وصفاته. وحصول ما يحبُّه ويرضاه من ذلك، وما يحمد به نفسه ويحمده (١) به أهل سماواته وأهل أرضه= ما (٢) هو من موجبات كماله ومقتضى حمده.

وهو سبحانه الحميد المجيد، وحمده ومجده يقتضيان آثارهما، ومن آثارهما: مغفرة الزلّات، وإقالة العثرات، والعفو عن السيِّئات، والمسامحة على الجنايات، مع كمال القدرة على استيفاء الحقِّ والعلمِ منه سبحانه بالجناية ومقدار عقوبتها، فحِلمُه بعد علمه، وعفوه بعد قدرته، ومغفرته عن كمال عزّته وحكمته، كما قال المسيح ــ صلى الله على نبينا وعليه وسلم ــ: {إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} [المائدة: ١١٨]، أي فمغفرتك عن كمال قدرتك وحكمتك، ليستْ (٣) كمن يغفر عجزًا ويسامح جهلًا بقدر الحقِّ، بل أنت عليمٌ بحقِّك، قادرٌ على استيفائه، حكيمٌ في الأخذ به.

فمن تأمّل سريان آثار الأسماء والصِّفات في العالَم وفي الأمر، تبيَّن له أنَّ مصدر قضاءِ هذه الجنايات من العبيد وتقديرها هو من كمال الأسماء والصِّفات والأفعال، وغاياتُها أيضًا مقتضى حمده ومجده، كما هو مقتضى ربوبيَّته وإلهيَّته.


(١) ج، ن: «وما يحمده».
(٢) ش: «مما».
(٣) ش: «ولستَ»، وكذا في ع ولكن دون واو العطف.

<<  <  ج: ص:  >  >>