للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مكانها ألمًا وتوجُّعًا لذكره والفكرة فيه، فما دامت لذَّة الفكر (١) فيه موجودةً في قلبه فإنابته غير صافيةٍ.

فإن قيل: أيُّ الحالين أعلى: حال من يجد لذَّة الذنب في قلبه فهو يجاهدها لله ويتركها من خوفه ومحبَّته وإجلاله، أو حال من ماتت لذّة الذنب في قلبه وصار مكانها ألمًا وتوجُّعًا وطمأنينةً إلى ربِّه وسكونًا إليه والتذاذًا بحبِّه وتنعُّمًا بذكره؟

قيل: حال هذا أرفع وأكمل، وغاية صاحب المجاهدة أن يجاهد نفسه حتَّى يصل إلى مقام هذا ومنزلته، ولكنَّه تاليه في المنزلة والقربِ ومنوطٌ به.

فإن قيل: فأين أجر مجاهدة صاحب اللَّذَّة، وتركِه محابَّه لله، وإيثارِه رضى الله على هواه؟ وبهذا كان النوع الإنسانيُّ أفضل من النّوع الملكيِّ عند أهل السنَّة (٢) وكانوا خيرَ البريَّة، والمطمئنُّ قد استراح من (٣) هذه المجاهدة وعُوفي منها، فبينهما من التَّفاوت ما بين درجة المعافى والمُبتلى.

قيل: النّفس لها ثلاثة أحوالٍ: الأمر بالذَّنب، ثمَّ اللَّوم عليه والنَّدم منه، ثمَّ الطُّمأنينة إلى ربِّها والإقبال بكلِّيَّتها عليه، وهذه الحال أعلى أحوالها وأرفعُها. وهي التي يشمِّر إليها المجاهد، وما يحصل له من ثواب مجاهدته وصبره فهو لتشميره إلى درجة الطُّمأنينة إلى الله، فهو بمنزلة مرتكب القِفار


(١) م، ج، ن: «الفكرة».
(٢) انظر هذه المسألة عند شيخ الإسلام في «مجموع الفتاوى» (٤/ ٣٥٠ - ٣٩٢) وعند المؤلف في «بدائع الفوائد» (٣/ ١١٠٤).
(٣) في ع زيادة: «ألم».

<<  <  ج: ص:  >  >>