للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والمَهامِهِ (١) والأَهوال ليصل إلى البيت فيطمئنَّ قلبه برؤيته والطَّواف به. والآخَرُ (٢) بمنزلة من هو مشغولٌ به طائفًا وقائمًا، وراكعًا وساجدًا، ليس له التفاتٌ إلى غيره؛ فهذا مشغول بالغاية، وذاك بالوسيلة، وكلٌّ له أجر، ولكن بين أجر الغايات وأجر الوسائل بَونٌ.

وما يحصل للمطمئنِّ من الأحوال والعبوديَّة والإيمان فوق ما يحصل لهذا المجاهد نفسَه في ذات الله تعالى وإن كان أكثرَ عملًا، فقدر عمل المطمئنِّ المنيب بجملته وكيفيَّته أعظم وإن كان هذا المجاهد أكثر عملًا، وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء، فما سبق الصِّدِّيق الصّحابةَ بكثرة عملٍ، وفيهم (٣) من هو أكثر صيامًا وحجًّا وقراءةً وصلاةً منه، ولكن بأمرٍ آخر قام بقلبه، حتّى إنَّ أفضل الصّحابة (٤) يسابقه (٥) ولا يراه إلَّا أمامه (٦).

ولكن عبوديّة مجاهدٍ نفسَه على لذَّة الذَّنب والشَّهوة قد تكون أشقّ، ولا يلزم من مشقَّتها تفضيلُها في الدَّرجة، فأفضل الأعمال الإيمان بالله، والجهاد


(١) المَهامِه: جمع المَهْمَه، وهي المفازة البعيدة.
(٢) في الأصل وغيره: «والمتأخر»، ولعل المثبت من ع أشبه.
(٣) م: «ومنهم». ج، ن: «وبينهم».
(٤) أُلحق هنا في هامش ش مصححًا عليه: «بعده»، ورمز له بـ «ظ»، أي: الظاهر عند الناسخ صحة هذه الزيادة ليستقيم المعنى.
(٥) ع: «كان يسابقه».
(٦) لعله يشير إلى قصة عمر المشهورة معه في المسابقة إلى الصدقة بأكثر ما يمكنهما، وقول عمر في آخرها: «لا أسابقك إلى شيءٍ أبدًا». أخرجها أبو داود (١٦٧٨) والترمذي (٣٦٧٥) والدارمي (١٧٠١) والحاكم (١/ ٤١٤) والضياء في «المختارة» (١/ ١٧٣، ١٧٤) بإسناد حسن.

<<  <  ج: ص:  >  >>