والنّاس ثلاثة: رجلٌ قلبه ميِّتٌ، فذلك الذي لا قلب له، فهذا ليست هذه الآية ذكرى في حقِّه.
الثاني: رجلٌ له قلبٌ حيٌّ مستعدٌّ، لكنّه غير مستمعٍ للآيات المتلوَّة التي يُخبَر بها عن الآيات المشهودة، إمّا لعدم ورودها، أو لوصولها إليه ولكنّ قلبه مشغولٌ عنها بغيرها، فهو غائب القلب ليس حاضرًا، فهذا أيضًا لا تحصل له الذِّكرى مع استعداده ووجود قلبه.
والثالث: رجلٌ حيُّ القلب مستعدٌّ، تليت عليه الآيات فأصغى بسمعه، وألقى السّمع وأحضر قلبه، ولم يَشغَله بغير فهم ما يسمعه، فهو شاهد القلب ملقٍ السمعَ، فهذا القسم هو الذي ينتفع بالآيات المتلوّة والمشهودة.
فالأوَّل بمنزلة الأعمى الذي لا يبصر، والثاني بمنزلة البصير الطَّامح ببصره إلى غير جهة المنظور إليه، فكلاهما لا يراه. والثّالث بمنزلة البصير الذي قد حدَّق إلى جهة المنظور إليه وأتبعه بصره، وقابله على توسُّطٍ من البعد والقرب، فهذا هو الذي يراه. فسبحان من جعل كلامه شفاءً لما في الصُّدور.
فإن قيل: فما موقع {أَوْ} من هذا النظم على ما قرّرت؟
قيل: فيها سرٌّ لطيفٌ، ولسنا نقول: إنَّها بمعنى الواو، كما يقوله ظاهريَّة النُّحاة.