للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأدلُّه على المقصود وأوصله إلى المطلوب. والتّحقيق أنَّ الآية تتناول النّوعين.

وأمَّا ما ذكره بعض المتأخِّرين (١) أنّ هذا إشارة إلى أنواع القياسات: فالحكمة هي طريقة البرهان، والموعظة الحسنة طريقة الخطابة، والمجادلة بالّتي هي أحسن طريقة الجدل، فالأوَّل بذكر المقدِّمات البرهانيَّة لمن لا يرضى إلا بالبرهان ولا ينقاد إلا له وهم خواصُّ النَّاس، والثَّاني بذكر المقدِّمات الخطابيَّة التي تثير رغبةً ورهبةً لمن يقنع بالخطابة وهم الجمهور، والثَّالث بذكر المقدِّمات الجدليَّة للمعارض الذي يندفع بالجدل وهم المخالفون= فتنزيلٌ للقرآن (٢) على قوانين أهل المنطق اليونانيِّ واصطلاحهم، وذلك باطلٌ قطعًا من وجوهٍ عديدةٍ ليس هذا موضع ذكرها (٣)، وإنَّما ذُكر هذا استطرادًا لذكر العظة، وأنّ المنيب المتذكِّر لا تشتدُّ حاجته إليها كحاجة الغافل المعرض، فإنَّه شديد الحاجة جدًّا إلى العظة ليتذكَّر ما قد نسيه فينتفع بالتذكُّر.

وأمّا (العمى عن عيب الواعظ)، فإنّه إذا اشتغل به حُرِم الانتفاع بموعظته، لأنَّ النفوس مجبولة على عدم الانتفاع بكلام من لا يعمل بعلمه


(١) كابن رشد في «فصل المقال» (ص ٣١).
(٢) ش، ج، ن، ع: «القرآن».
(٣) انظر: «مفتاح دار السعادة» (١/ ٤٣٣، ٤٩١ - ٤٩٢)، وذكر فيه أنه بيَّن بطلان هذا التفسير عقلًا وشرعًا ولغةً وعُرفًا من وجوه متعدِّدة في موضع آخر. ولم نجد ذلك في كتبه المطبوعة. وانظر: «مجموع الفتاوى» (١٩/ ١٦٤) و «الرد على المنطقيين» (ص ٤٣٨ - ٤٦٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>