للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولا ينتفع به. وهذا بمنزلة من يصف له الطبيب دواءً لمرضٍ به مثلُه والطبيب مُعرضٌ عنه غيرُ ملتفتٍ إليه، بل الطبيب المذكور عندهم أحسن حالًا من هذا الواعظ المخالف لما يعظ به، لأنَّه قد يقوم عنده دواءٌ آخر مقامَ هذا الدَّواء، وقد يرى أنَّ به قوَّةً على ترك التَّداوي، وقد يقنع بعمل الطبيعة، وغير ذلك؛ بخلاف هذا الواعظ فإنَّ ما يعظ به طريق معيَّن للنجاة لا يقوم غيرُها مقامها ولا بدّ منها.

ولأجل هذه النُّفرة قال شعيب ــ صلى الله على نبيِّنا وعليه وسلَّم ــ لقومه: {وَمَا أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَى مَا أَنْهَاكُمْ عَنْهُ} [هود: ٨٨].

وقال بعض السَّلف: إذا أردت أن يقبل منك الأمر والنَّهي، فإذا أمرتَ بشيءٍ فكن أوَّل الفاعلين له المؤتمرين به، وإذا نهيتَ عن شيءٍ فكن أوَّل المنتهين عنه (١).

وقد قيل (٢):

يا أيُّها الرجل المعلِّم غيرَه ... هلَّا لنفسك كان ذا التّعليمُ؟

تصف الدّواء لذي السِّقام من الضَّنى ... ومن الضَّنى تمسي وأنت سقيمُ

لا تنهَ عن خلقٍ وتأتيَ مثله ... عارٌ عليك إذا فعلت عظيمُ


(١) روي عن الحسن البصري نحوه. أخرجه أحمد في «الزهد» (ص ٣١٨) وابن أبي الدنيا في «الأمر بالمعروف» (٩١) وأبو نُعيم في «حلية الأولياء» (٢/ ١٥٤).
(٢) الأبيات الثلاثة الأخيرة من قصيدة أوردها صاحب «الخزانة» (٨/ ٥٦٧) لأبي الأسود الدؤلي. وتُنسب مع البيتين الأولين إلى المتوكل الليثي. وعُزي بعضُهما إلى غيرهما أيضًا. انظر تخريجها في «ديوان أبي الأسود» (ص ٤٠٥ - ٤٠٧) و «شعر المتوكل» (ص ٢٨٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>