للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يُسأل بالاسم المناسب له، فتأمَّل أدعية القرآن والحديث النبويِّ تجدها كذلك.

وأمّا (معرفة الأيَّام) فيحتمل أن يريد به أيَّامه التي تخصُّه، وما يلحقه فيها من الزِّيادة والنُّقصان، ويعلم قِصَرها وأنَّها أنفاس معدودة متصرِّمة، كلُّ نَفَسٍ منها يقابله آلافُ آلافٍ من السِّنين في دار البقاء، فليس لهذه الأيام الخالية نسبةٌ قطُّ إلى أيام البقاء، والعبد يُساوق زمنه في مدَّة عمره (١) إلى النعيم أو إلى الجحيم، وهي كمدَّة المنام لمن له عقلٌ حيٌّ وقلبٌ واعٍ، فما أولاه أن لا يصرف منها نَفَسًا إلا في أحبِّ الأمور إلى الله، فلو صرفه فيما يحبُّه وترك الأحبَّ لكان مفرِّطًا، فكيف إذا صرفه فيما لا ينفعه؟ فكيف فيما يَمقته عليه ربُّه؟ فالله المستعان.

ويحتمل أن يريد بالأيام أيام الله التي أمر رسله بتذكير أممهم [بها] (٢)، كما قال: {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَى بِآيَاتِنَا أَنْ أَخْرِجْ قَوْمَكَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ اللَّهِ} [إبراهيم: ٥]. وقد فسِّرت أيام الله بنعمه، وفسِّرت بنقمه من أهل الكفر والمعاصي، فالأوَّل تفسير ابن عبَّاسٍ وأبيِّ بن كعبٍ ومجاهدٍ، والثاني تفسير مقاتلٍ (٣). والصواب أنَّ أيَّامه تعمُّ النَّوعين، وهي وقائعه التي أوقعها بأعدائه، ونعمه التي ساقها إلى أوليائه. وسمِّيت هذه النِّعم والنِّقم الكبار المتحدَّث بها أيَّامًا لأنها ظرف لها، تقول العرب: فلان


(١) ع: «العمر».
(٢) ما بين الحاصرتين من ع، والسياق يقتضيه.
(٣) والأول قول قتادة أيضًا، وروي عن أبيٍّ بن كعب في حديث مرفوع عند مسلم (٢٣٨٠/ ١٧٢)، والأشبه أنه مدرج فيه موقوف. والثاني قول عبد الرحمن بن زيد بن أسلم أيضًا. انظر: «تفسير الطبري» (١٣/ ٥٩٦ - ٥٩٨) و «تفسير مقاتل» (٢/ ١٨٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>