للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فليس شيء أنفع للعبد في معاشه ومعاده وأقرب إلى نجاته من تدبُّر القرآن وإطالة التأمُّل له، وجمع الفكر على معاني آياته، فإنها تطلع العبد على معالم الخير والشرِّ بحذافيرهما، وعلى طرقاتهما وأسبابهما وغاياتهما وثمراتهما ومآل أهلهما، وتَتُلُّ (١) في يده مفاتيح كنوز السعادة والعلوم النافعة، وتثبِّت قواعد الإيمان في قلبه، وتشيِّد بُنيانه وتوطِّد أركانه، وتريه صورة الدُّنيا والآخرة والجنة والنار في قلبه، وتُحضره بين الأمم وتريه أيّام الله فيهم، وتبصِّره مواقع العبر، وتشهده عدل الله وفضله، وتعرِّفه ذاته وأسماءه وصفاتِه وأفعالَه، وما يحبُّه وما يبغضه، وصراطَه الموصل إليه، وما لسالكيه بعد الوصول إليه والقدوم عليه، وقواطعَ الطريق وآفاتِها، وتعرِّفه النفسَ وصفاتِها، ومفسداتِ الأعمال ومصحِّحاتها، وتعرِّفه طريق أهل الجنة وأهل النار وأعمالَهم وأحوالهم وسيماهم، ومراتبَ أهل السعادة وأهل الشقاوة، وأقسامَ الخلق واجتماعهم فيما يجتمعون فيه وافتراقهم فيما يفترقون فيه.

وبالجملة تعرِّفه الربَّ المدعوَّ إليه، وطريقَ الوصول إليه، وما له من الكرامة إذا قدم عليه.

وتعرِّفه في مقابل ذلك ثلاثةً أخرى: ما يدعو إليه الشيطان، والطريق الموصلة إليه، وما للمستجيب لدعوته من الإهانة والعذاب بعد الوصول إليه.


(١) أي: تَصبُّ وتُلقي، وكأن التعبير مقتبس من حديث أبي هريرة في «المسند» (١٠٥١٧) وغيره: «بينا أنا نائم أوتيت بمفاتيح خزائن الأرض فَتُلَّتْ في يدي». هذا، وقد ضُبط في الأصل وع بالثاء المثلثة: «تَثُلُّ»، وهو بمعناه.

<<  <  ج: ص:  >  >>