للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يريد انقطاع النفس عن أغراضها من هذه الوجوه الثلاثة، فيصون إرادته ويقبضها عمَّا سوى الله تعالى، وهذا شبيهٌ بحال أبي يزيد (١) - رحمه الله - فيما أخبر به عن نفسه لمَّا قيل له: ما تريد؟ فقال: أريد أن لا أريد.

الثاني: (إسبال الخُلق على الخَلق بسطًا)، وهذا حقيقة التصوُّف، فإنَّه كما قال بعض العارفين (٢): «التّصوُّف خلقٌ، فمن زاد عليك في الخلق زاد عليك في التّصوُّف». فإنّ حسن الخلق وتزكية النفس بمكارم الأخلاق يدلُّ على سعة قلب صاحبه وكرم نفسه وسجيَّته.

وفي هذا الوصف: يكفُّ الأذى، ويحمل الأذى، ويوجد الرَّاحة، ويدير خدَّه الأيسر لمن لطمه على الأيمن (٣)، ويعطي رداءه لمن سلبه قميصَه، ويمشي ميلين مع من سخَّره ميلًا، وهذا علامة انقطاعه عن حظوظ نفسه وأغراضها.

وأمَّا (رفض العلائق عزمًا) فهو العزم التامُّ على رفض العلائق وتركها في


(١) البِسطامي (ت ٢٦١). وقوله هذا نقله ابن العَرِيف الصنهاجي في «محاسن المجالس» (ص ٧٧). وسينقله المؤلف مرَّة أخرى (ص ٣٣٤) معقبًّا عليه بقوله: «وهذا في التحقيق عين المحال الممتنع عقلًا وفطرةً وحسًّا وشرعًا، فإنَّ الإرادة من لوازم الحي ... » إلخ. وانظر: «طريق الهجرتين» للمؤلف (١/ ٤٨٨) و «جامع المسائل» لشيخ الإسلام (٦/ ١١ - ١٣) و «مجموع الفتاوى» (١٠/ ٢١٨).
(٢) ع: «قال أبو بكر الكتاني». هو أبو بكر محمد بن علي الكتَّاني البغدادي (ت ٣٢٨)، وقوله مسند إليه في «تاريخ بغداد» (٤/ ١٢٧) و «رسالة القشيري» (ص ٥٢٩).
(٣) ع: «لمن لطم الأيمن».

<<  <  ج: ص:  >  >>