للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يبق في قلبه شهودٌ لغيره البتَّة، بل تضمحلُّ الرُّسوم وتفنى الإشارات، ويفنى من لم يكن ويبقى من لم يزل. وفي هذا المقام يجيب داعي الفناء طوعًا ورغبةً لا كرهًا، لأنَّ هذا المقام امتزج فيه الحبُّ بالتّعظيم مع القرب، وهو منتهى سفر الطالبين لمقام الفناء.

وإن كان (١) مشمِّرًا للفناء العالي، وهو الفناء عن إرادة السِّوى، لم يبق في قلبه مرادٌ يزاحم مرادَه الدينيَّ الشرعيَّ النبويَّ القرآنيَّ، بل يتَّحد المرادان فيصير عينُ مراد الربِّ عينَ (٢) مراد العبد، وهذا حقيقة المحبَّة الخالصة، وفيها يكون الاتِّحاد الصحيح، وهو الاتِّحاد في المراد، لا في المريد ولا في الإرادة.

فتدبَّر هذا الفرقان في هذا الموضع الذي طالما زلَّت فيه أقدام السالكين، وضلَّت فيه أفهام الواجدين.

وفي هذا المقام حقيقةٌ: يفنى من لم يكن إرادةً (٣) وإيثارًا، ومحبَّةً وتعظيمًا، وخوفًا ورجاءً وتوكُّلًا، ويبقى من لم يزل. وفيه ترتفع الوسائط بين الرّبِّ والعبد حقيقةً، ويحصل له الاستحذاء المذكور مقرونًا بغاية الحبِّ وغاية التعظيم.

وفي هذا المقام يجيب داعيَ الفناء في المحبَّة طوعًا واختيارًا لا كرهًا، بل ينجذب إليه انجذاب قلب المحبِّ وروحه ــ الذي قد ملأت المحبَّةُ قلبَه


(١) في ع زيادة: «هذا».
(٢) ع: «هو عين». ل، ش: «وعين»، خطأ.
(٣) بيان للفناء، وليس خبرًا لـ «يكن» لأنها تامَّة، أي: من لم يوجد.

<<  <  ج: ص:  >  >>