للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تلك الأعواض التي يطلبها الخاصَّة= معلولةٌ، وهذا لا شكَّ فيه إذا تجرَّد طلبُهم لها.

أمَّا إذا كان مطلوبهم الأعظم الذاتيُّ قربَه والوصولَ إليه والتّنعُّمَ بحبِّه والشوقَ إلى لقائه، وانضاف إلى هذا طلبهم لثوابه المخلوق المنفصل= فلا علَّة في هذه العبودية بوجهٍ ما ولا نقص، وقد قال النبيُّ - صلى الله عليه وسلم -: «حولَها نُدَندِن» (١) يعني الجنَّة، وقال: «إذا سألتم الله فَسَلُوه (٢) الفردوس، فإنَّه وسط الجنَّة وأعلى الجنَّة، وفوقه عرش الرحمن، ومنه تَفَجَّرُ أنهارُ الجنَّة» (٣)، ومعلومٌ أنَّ هذا مسكنُ خاصَّة الخاصَّة وسادات العارفين، فسؤالهم إيَّاه ليس علَّةً في عبوديَّتهم ولا قدحًا فيها.

وقد استوفينا ذكر هذا الموضع في كتاب «سفر الهجرتين» عند الكلام على علل المقامات (٤).

ويحتمل أن يريد الشَّيخ - رحمه الله - بقطع المعاوضات أن تشهد أنَّ الله ما أعطاك شيئًا معاوضةً، بل تفضُّلًا وإحسانًا، لا لعوضٍ يرجوه منك، كما يكون من عطاء العبد للعبد. ولكن إنَّما نتكلّم فيما من العبد ممَّا يؤمَر بالتجريد عنه، كتجرُّده عن التفرقة والمعاوضة، وهو أليق المعنيين بكلامه، والله أعلم.

* * * *


(١) حديث صحيح، وسيأتي تخريجه (ص ٢٧٩).
(٢) كذا في الأصل وش. وفي سائر الأصول: «فاسألوه». وكلاهما عند البخاري.
(٣) أخرجه البخاري (٢٧٩٠، ٧٤٢٣) من حديث أبي هريرة.
(٤) (ص ٤٧٩ - ٤٩١).

<<  <  ج: ص:  >  >>