للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

{إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبًا (١) يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ فَآمَنَّا بِهِ} [الجن: ١] وقولهم: {يَاقَوْمَنَا إِنَّا سَمِعْنَا كِتَابًا أُنْزِلَ مِنْ بَعْدِ مُوسَى مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ وَإِلَى طَرِيقٍ مُسْتَقِيمٍ} [الأحقاف: ٣٠]، فهذا سماع إدراكٍ اتَّصل به الإيمان والإجابة.

وأمّا سماع الفهم فهو المنفيُّ عن أهل الإعراض والغفلة بقوله تعالى: {إِنَّكَ لَا تُسْمِعُ الْمَوْتَى وَلَا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعَاءَ} [النمل: ٨٠]، وقولِه: {إِنَّ اللَّهَ يُسْمِعُ مَنْ يَشَاءُ وَمَا أَنْتَ بِمُسْمِعٍ مَنْ فِي الْقُبُورِ} [فاطر: ٢٢]، فالتخصيص هاهنا لإسماع الفهم والعقل، وإلَّا فالسمع العامُّ الذي قامت به الحجَّة لا تخصيص فيه.

ومنه قوله تعالى: {(٢٢) وَلَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيْرًا لَأَسْمَعَهُمْ وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّوْا وَهُمْ} [الأنفال: ٢٣]، أي لو علم الله في هؤلاء الكفَّار قبولًا وانقيادًا لأفهمهم، وإلَّا فهُم قد سمعوا سمع الإدراك، {وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّوْا وَهُمْ}، أي ولو أفهمهم لما انقادوا ولا انتفعوا بما فهموه (١)، لأنَّ في قلوبهم من داعي (٢) التولِّي والإعراض ما يمنعهم عن الانتفاع بما سمعوه.

وأمَّا سماع القبول والإجابة ففي قوله تعالى حكايةً عن عباده المؤمنين أنّهم قالوا: {سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا} [البقرة: ٢٨٥]، فإنَّ هذا سماع (٣) قبولٍ وإجابةٍ مثمرٌ للطاعة. والتّحقيق أنَّه متضمِّن للأنواع الثّلاثة، وأنَّهم أخبروا بأنَّهم أدركوا المسموع وفهموه وأجابوا له.


(١) ع: «فهموا».
(٢) م، ش: «دواعي».
(٣) ع: «سمع».

<<  <  ج: ص:  >  >>