للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المحبوب كائنًا ما كان، ولهذا تجد لهؤلاء كلِّهم ذوقًا في السماع وحالًا ووجدًا وبكاءً.

ويا لله العجب! أيُّ إيمانٍ ونورٍ وبصيرةٍ وهدًى ومعرفةٍ يحصل باستماع أبياتٍ بألحانٍ وتوقيعاتٍ لعلَّ أكثرها قيلت فيما يهوى من محرَّمٍ يبغضه الله ورسوله ويعاقب عليه من تغزُّلٍ وتشبُّبٍ بمن لا يحلُّ له من ذكرٍ أو أنثى؟! فإنَّ غالب التغزُّل والتشبيب إنّما هو في الصُّور المحرَّمة، ومن أندر النادر تغزُّل الشاعر وتشبيبه في امرأته وأَمَته وأمِّ أولاده، مع أنَّ هذا واقعٌ لكنَّه كالشعرة في جلد الثور، فكيف يقع لمن له أدنى بصيرةٍ وحياةِ قلبٍ أنه (١) يتقرَّب إلى الله ويزداد إيمانًا وقُربًا منه وكرامةً عليه بالتذاذ ما هو بغيضٌ إليه مقيتٌ عنده، يَمقُت قائلَه وقابله (٢) والراضي به، ويترقَّى به الحال حتَّى يزعم أنَّ ذلك أنفع لقلبه من سماع القرآن والعلم النّافع وسنَّة نبيِّه - صلى الله عليه وسلم -؟!

تاللهِ إنَّ هذا القلب مخسوفٌ به، ممكورٌ به، منكوسٌ! لم يَصلُح لحقائق القرآن وأذواق معانيه ومطالعة أسراره، فبَلاه (٣) بقرآن الشيطان، كما في «معجم الطبراني» (٤) وغيره مرفوعًا وموقوفًا: «إنَّ الشيطان قال: يا ربِّ،


(١) ع: «أن».
(٢) م: «ناقله».
(٣) أي: ابتلاه الله. وفي ل: «فتولاه»، ش: «فتلاه»، كلاهما تصحيف.
(٤) (١١/ ١٠٤) ــ ومن طريقه أبونعيم في «الحلية» (٣/ ٢٧٨) والضياء في «المختارة» (١١/ ١٦٤) ــ عن ابن عباس مرفوعًا، وأخرجه الطبراني أيضًا (٨/ ٢٤٥) عن أبي أمامة مرفوعًا، وإسناد كليهما واهٍ. انظر: «الضعيفة» للألباني (٦٠٥٤، ٦٠٥٥).

هذا، وقد صحَّ ذلك من قول قتادة موقوفًا عليه، أخرجه ابن أبي الدنيا في بعض رسائله ــ ومن طريقه الخطيب في «الموضِّح» (٢/ ٣١) ــ والبيهقي في «شعب الإيمان» (٤٧٣٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>