للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والمُردان وغيرهم بالغناء المقرون بالمعازف والشاهد (١)، وذكرِ القدِّ والنَّهد والخصر، ووصف العيون وفعلها، والشعر الأسود، ومحاسن الشباب، وتوريد الخدود، وذكر الوصل والصدِّ، والتجنِّي والهجران، والعتاب والاستعطاف، والاشتياق والقلق والفراق، وما جرى هذا المجرى ممَّا هو أفسد للقلب من سُكر الخمر بما لا نسبة بينهما، وأيُّ نسبةٍ لسكر يومٍ (٢) ونحوه إلى سَكرة العشق التي لا يستفيق (٣) صاحبُها إلَّا في عسكر الهالكين سليبًا حريبًا (٤) أسيرًا قتيلًا؟ وهل تقاس سَكرة الشراب إلى سكرة الأرواح بالسَّماع؟ وهل يُظنُّ بحكيمٍ أن يحرِّم سكرًا لمفسدةٍ فيه معلومةٍ، ويبيح سكرًا مفسدتُه أضعاف أضعاف مفسدة الشراب؟ حاشا أحكم الحاكمين.

فإن نازعوا في سكر السماع وتأثيره في العقول والأرواح خرجوا عن الذوق والحسِّ فظهرت (٥) مكابرة القوم. فكيف يحمي الطبيبُ المريض عمَّا يشوِّش عليه صحَّته ويبيح له ما فيه أعظم السُّقم؟ والمنصف يعلم أنّه لا نسبة بين سقم الأرواح بسكر الشراب وسقمها بسكر السماع، وكلامنا مع واجدٍ لا فاقدٍ، فهو المقصود بالخطاب.

وأعجب من هذا: استدلالهم (٦) على إباحة السماع المركَّب ممَّا ذكرنا


(١) سبق ذكر معنى الشاهد (ص ١٣٧).
(٢) ع: «لمفسدة سكرِ يومٍ».
(٣) في ع زيادة: «الدهرَ».
(٤) الحريب هو السَّليب، أي: المسلوب الذي سُلب ماله.
(٥) ع: «وظهرت».
(٦) ع: «استدلالكم».

<<  <  ج: ص:  >  >>