للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والعجب (١) أنَّهم دخلوا في أنواع من (٢) الرِّياضات والمجاهدات والزُّهد ليتجرّدوا عن شهوات النُّفوس وحظوظها، فانتقلوا من شهواتٍ إلى شهواتٍ أكبر منها، ومن حظوظٍ إلى حظوظٍ أعظم منها، وكان حالهم في الشهوات (٣) التي انتقلوا عنها أكمل، وحالُ أربابها خيرٌ (٤) مِن حال هؤلاء، لأنَّهم لم يعارضوا بها العلم، ولا قدَّموها على النُّصوص، ولا جعلوها دينًا وقربةً، ولا ازدروا بها العلم وأهله. والشَّهوات التي انتقلوا إليها جعلوها أعلامًا يشمِّرون إليها، فهي قبلة قلوبهم، فهم (٥) واقفون مع حظوظهم من الله، فانون بها عن مراد الله منهم؛ الناس يعبدون الله وهم يعبدون أنفسهم، عائبون (٦) لأهل الحظوظ والشهوات ومزدرون بهم، وهم أعظم الناس حظوظًا، وإنّما زهدوا في حظٍّ إلى حظٍّ أعلى منه، وتركوا شهوةً لشهوةٍ (٧).

فليتدبَّر اللبيب هذا الموضع في نفسه وفي غيره، فكلُّ ما خالف مراد الله الدينيَّ من العبد فهو حظُّه وشهوته، مالًا كان أو رياسةً أو صورةً، أو ذوقًا أو حالًا أو وجدًا (٨).


(١) ع: «ومن العجب».
(٢) «من» ساقطة من ع.
(٣) ع: «شهوات نفوسهم».
(٤) كذا في الأصول بالرفع.
(٥) في ع زيادة: «حولها عاكفون».
(٦) ل: «عاتبون».
(٧) ش، ن: «بشهوة».
(٨) عُلِّق في ل فوق السطر: «أو ناموسًا».

<<  <  ج: ص:  >  >>