للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

من المسموع وينزِّهه عمَّا لا يليق به.

وهذا الموضع لم يتخلَّص فيه إلا الراسخون في العلم والمعرفة بالله، وأضلَّ الله عنه أهلَ التحريف والتعطيل، وأهلَ التشبيه والتمثيل، و {هَدَى اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا لِمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِهِ وَاللَّهُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} [البقرة: ٢١٣].

وأمَّا السماع منه: فإنَّما يتصوَّر بواسطةٍ، فهو سماعٌ مقيَّدٌ. وأمَّا المطلق فلا مطمع فيه في عالم الفناء، إلَّا لمن اختصَّه الله برسالاته وبكلامه، ولكنَّ السماع لكلامه كالسماع منه، فإنَّه كلامه الذي تكلَّم به حقًّا، فمن سمعه فليقدِّر نفسه كأنَّه يسمعه من الله.

هذا هو السماع من الله، لا سماع أربابِ الخيال ودعوى المحال، القائلِ أحدُهم: ناداني في سرِّي، وخاطبني، وقال لي. يا ليت شعري مَن المنادي لك ومَن المخاطِبُ، يا مخدوعُ يا مغرور؟ فما يدريك أنِداءٌ شيطاني أم رحماني؟ وما البرهان على أنَّ المخاطِب لك هو الرحمن؟

نعم، نحن لا ننكر النِّداء والخطاب والحديث، وإنَّما الشأن في المنادي المخاطِب المحدِّث، فهاهنا تسكب العبرات.

وبالجملة فمن قرئ عليه القرآن فليقدِّر نفسَه كأنَّما (١) يسمعه من الله يخاطبه به، فإذا حصل له مع ذلك السماع به، وله، وفيه = ازدحمت معاني المسموع ولطائفُه وعجائبه على قلبه وازدلفت إليه بأيِّها يبدأ، فما شئتَ مِن علمٍ وحِكَم، وتعرُّفٍ وبصيرة، وهدايةٍ وعِبرة.


(١) م: «كأنه».

<<  <  ج: ص:  >  >>