للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وعلى تقدير صحَّته فالحزن مصيبةٌ من المصائب التي يبتلي الله بها عبده، فإذا ابتلى به العبدَ فصبَرَ عليه أحبَّ صبْرَه على بلائه.

وأمَّا الأثر الآخر: «إذا أحبَّ الله عبدًا نصب في قلبه نائحةً، وإذا أبغض عبدًا جعل في قلبه مزمارًا»، فأثرٌ إسرائيليٌّ، قيل: إنَّه في التوراة (١). وله معنًى صحيح، فإنَّ المؤمن حزين على ذنوبه، والفاجر لاهٍ لاعبٌ مترنِّم فرح.

وأمّا قوله تعالى عن نبيِّه إسرائيل: {وَابْيَضَّتْ عَيْنَاهُ مِنَ الْحُزْنِ فَهُوَ كَظِيمٌ} [يوسف: ٨٤]، فهو إخبارٌ عن حاله بمُصابه بفقد ولده وحبيبه، وأنَّه ابتلاه بذلك كما ابتلاه بالتفريق بينه وبينه.

وأجمع أرباب السُّلوك على أنَّ حزن الدُّنيا غير محمودٍ، إلَّا أبا عثمان الحِيريَّ فإنَّه قال: الحزن بكلِّ وجه فضيلةٌ وزيادةٌ للمؤمن ما لم يكن بسبب معصيةٍ، قال: لأنَّه إن لم يوجب تخصيصًا فإنَّه يوجب تمحيصًا (٢).

فيقال: لا ريب أنّه محنةٌ وبلاءٌ من الله بمنزلة المرض والهمِّ والغمِّ، وأمَّا إنَّه من منازل الطريق فلا.


(١) كما في «الرسالة القشيرية» (ص ٣٦٨).
(٢) ذكره القشيري (ص ٣٧٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>