للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فالخوف حركة، والخشية انجماع وانقباض وسكون؛ فإنَّ الذي يرى العدوَّ والسَّيل ونحو ذلك له حالتان:

إحداهما: حركته للهرب منه، وهي حالة الخوف.

والثانية: سكونه وقراره في مكانٍ لا يصل إليه، وهي الخشية. ومنه: انخشَّ الشيءُ (١)، والمضاعف والمعتلُّ أخوان، كتقضَّى البازيُّ وتقضَّض.

وأمّا الرهبة فهي الإمعان في الهرب من المكروه، وهي ضدُّ الرَّغبة التي هي سفر القلب في طلب المرغوب فيه. وبين الرَّهب والهرب تناسبٌ في اللفظ والمعنى، يجمعهما الاشتقاق الأوسط الذي هو عقد تقاليب الكلمة على معنًى جامعٍ.

وأمّا الوجل فرَجَفان القلب وانصداعُه لذكر من يخاف سلطانه وعقوبته، أو لرؤيته.

وأمّا الهيبة فخوفٌ مقارنٌ للتعظيم والإجلال، وأكثر ما يكون مع المعرفة والمحبة. والإجلال: تعظيمٌ مقرونٌ بالحبِّ.

فالخوف لعامَّة المؤمنين، والخشية للعلماء العارفين، والهيبة للمحبِّين، والإجلال للمقرَّبين. وعلى قدر العلم والمعرفة يكون الخوف والخشية، كما قال - صلى الله عليه وسلم -: «إنِّي لأعلمكم بالله وأشدُّكم له خشيةً (٢)» (٣)، وقال: «لو تعلمون ما


(١) أي: دخل واستتر.
(٢) في النسخ عدا ع: «خوفًا»، والمثبت جاء في هامش الأصل ول مصححًا عليه، وهو لفظ الحديث. وزاد في ع بعده: «وفي رواية: خوفًا».
(٣) أخرجه البخاري (٦١٠١) ومسلم (٢٣٥٦) من حديث عائشة بنحوه.

<<  <  ج: ص:  >  >>