للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقال مقاتلٌ: هي النفس الكافرة، تلوم نفسها في الآخرة على ما فرَّطت في أمر الله في الدنيا (١).

والقصد: أنَّ من بذل نفسه لله بصدقٍ كره بقاءه معها، لأنَّه يريد أن يتقبَّلها من بُذلت له، لأنَّه قد قرَّبها له قربانًا. ومن قرَّب قربانًا فتُقبِّل منه ليس كمن رُدَّ عليه قربانه، فبقاء نفسه معه دليلٌ (٢) أنَّه لم يتقبَّل قربانه.

وأيضًا، فإنَّه من قواعد القوم المجمَع عليها بينهم، التي اتَّفقت كلمة أوَّلهم وآخرهم ومُحقِّهم ومبطلهم عليها: أن النفس حجابٌ بين العبد وبين الله تعالى، وأنه لا يصل إلى الله تعالى حتَّى يقطع هذا الحجاب، كما قال أبو يزيدٍ - رحمه الله -: رأيت ربَّ العزَّة في المنام فقلت: يا ربِّ كيف الطريق إليك؟ فقال: خلِّ نفسك وتعال (٣).

فالنفس جبل عظيم شاقٌّ في طريق السير إلى الله، وكلُّ سائرٍ فلا طريق له إلا على ذلك (٤) الجبل، فلابدَّ أن ينتهي إليه (٥). وأكثر السائرين منه رجعوا


(١) «في الدنيا» من ع، وهو ثابت في مصدر المؤلف «معالم التنزيل»، فالأقوال السابقة كلها منه (٨/ ٢٧٩ - ٢٨٠). وأخرج الطبري (٢٣/ ٤٦٩ - ٤٧٠) منها أقوال سعيد وعكرمة وقتادة ومجاهد. وقول مقاتل بن سليمان في «تفسيره» (٣/ ٤٢١).
(٢) في ع زيادة: «على».
(٣) «القشيرية» (ص ٧٥٧).
(٤) ع: «هذا».
(٥) في ع زيادة: «ولكن منهم من هو مُشِقٌّ (كذا) عليه ومنهم من هو سهلٌ عليه، وإنّه ليسيرٌ على من يسّره الله عليه. وفي ذلك الجبل أوديةٌ وشعوبٌ، وعقباتٌ ووهودٌ، وشوكٌ وعوسجٌ، وعُلَّيقٌ وشِبْرِكٌ (كذا، والمعروف بالقاف)، ولصوصٌ يقطعون الطريق على السائرين، ولا سيَّما أهل الليل المُدلجين، فإذا لم يكن معهم عُدَد الإيمان ومصابيح اليقين تَقِد بزيت الإخبات، وإلَّا تعلَّقت بهم تلك الموانع وتشبَّثت بهم تلك القواطع وحالت بينهم وبين السَّير، فإن أكثر ... ».

<<  <  ج: ص:  >  >>