للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عن معصيته أكملُ من الصبر على قضائه وقدره.

والله المستعان، وعليه التُّكلان، ولا حول ولا قوَّة إلَّا بالله.

فإن قلت: الصبر بالله أقوى من الصبر لله، فإنَّ ما كان بالله كان بحوله وقوَّته، وما كان به لم يقاومه شيءٌ ولم يَقُم له. وهو صبر أرباب الأحوال والتأثير، والصبر لله صبر أهل العبادة والزُّهد. ولهذا هم مع إخلاصهم (١) وصبرهم لله أضعف من الصابرين به، فلهذا قال: (وأضعف الصبر: الصبر لله).

قيل: المراتب أربعة:

أحدها: مرتبة الكمال ومرتبة أولي العزائم، وهي الصبر لله وبالله، فيكون في صبره مبتغيًا وجه الله، صابرًا به، متبرِّئًا من حوله وقوَّته. فهذا أقوى المراتب (٢) وأفضلها.

الثاني: أن لا يكون فيه لا هذا ولا هذا، فهذا أخسُّ المراتب، وأردى الخلق، وهو جديرٌ بكلِّ خذلانٍ وبكلِّ حرمانٍ.

الثالث: من فيه صبرٌ بالله، وهو مستعينٌ متوكِّلٌ على حول الله وقوَّته، متبرِّئٌ من حوله هو وقوَّته. ولكنَّ صبره ليس لله، إذ ليس صبره فيما هو مراد الله الدِّينيُّ منه. فهذا ينال مطلوبه ويظفر به، ولكن لا عاقبة له، وربَّما كانت عاقبته شرَّ العواقب.


(١) في ع زيادة: «وزهدهم».
(٢) في ع زيادة: «وأرفعها».

<<  <  ج: ص:  >  >>