للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

سبحانه لا يقضي لعبده المؤمن قضاءً إلَّا كان خيرًا له، ساءه ذلك القضاء أو سرَّه، فقضاؤه لعبده المؤمن عطاءٌ وإن كان في صورة المنع، ونعمةٌ وإن كان في صورة محنةٍ، وعافيةٌ (١) وإن كانت في صورة بليَّةٍ.

ولكن لجهل العبد وظلمه لا يعدُّ العطاء والنِّعمة والعافية إلَّا ما التذَّ به في العاجل، وكان ملائمًا لطبعه. ولو رزق من المعرفة حظًّا وافرًا لعَدَّ (٢) نعمة الله عليه فيما يكرهه أعظمَ من نعمته عليه فيما يحبُّه، كما قال بعض العارفين (٣): يا ابن آدم، نعمة الله عليك فيما تكره أعظم من نعمته عليك فيما تحبُّ. وقد قال تعالى: {وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ} [البقرة: ٢١٦].

وقال بعض العارفين: ارضَ عن الله في جميع ما يفعله بك، فإنَّه ما منعك إلَّا ليعطيك، ولا ابتلاك إلَّا ليعافيك، ولا أمرضك إلَّا ليشفيك، ولا أماتك إلَّا ليحييك، فإيَّاك أن تفارق الرِّضا عنه طرفة عينٍ فتسقط من عينه.

الثالث والأربعون: أن يعلم أنَّه سبحانه هو الأوَّل قبل كلِّ شيءٍ، والآخر


(١) ع: «وبلاؤه عافية».
(٢) في ع زيادة: «المنع نعمة، والبلاء رحمة، وتلذَّذ بالبلاء أكثر من لذَّة العافية، وتلذَّذ بالفقر أكثر من لذة الغنى، وكان في حال القلة أعظم شكرًا من حال الكثرة، وهذه كانت حال السلف، فالعاقل الراضي من يعدُّ البلاء عافية والمنع نعمة والفقر غنى. وأوحى الله إلى بعض أنبيائه: «إذا رأيت الفقر مقبلًا فقل: مرحبًا بشعار الصالحين، وإذا رأيت الغنى مقبلًا فقل ذنبٌ عُجِّلت عقوبته. فالراضي هو الذي يعدُّ».
(٣) لم أهتد إليه، ولا إلى العارف الآتي قولُه.

<<  <  ج: ص:  >  >>