للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بعد كلِّ شيءٍ، والمظهر لكلِّ شيءٍ، والمالك لكلِّ شيءٍ، وهو الذي يخلق ما يشاء ويختار، وليس للعبد أن يختار عليه، وليس لأحدٍ معه اختيار، ولا يشرك في حكمه أحدًا، والعبد لم يكن شيئًا مذكورًا، فهو سبحانه الذي اختار وجوده، واختار أن يكون كما قدَّره له وقضاه من عافيةٍ وبلاء، وغنًى وفقر، وعزٍّ وذلٍّ، ونباهةٍ وخمول، فكما تفرَّد سبحانه بالخلق تفرَّد بالاختيار والتقدير والتدبير، وليس للعبد شيءٌ من ذلك فإنَّ الأمر كلَّه لله. وقد قال تعالى لنبيه: {لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ} [آل عمران: ١٢٨]. فإذا تيقَّن العبد أنَّ الأمر كلَّه لله، ليس له من الأمر قليلٌ ولا كثير= لم يكن له (١) معوَّل بعد ذلك غيرَ الرِّضا بمواقع الأقدار، وما يجري به من ربِّه الاختيار.

الرابع والأربعون: أنَّ رضا الله عن العبد أكبر من الجنَّة وما فيها، لأنَّه صفته والجنَّة خلقه، قال الله تعالى: {وَعَدَ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ وَرِضْوَانٌ مِنَ اللَّهِ أَكْبَرُ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} [التوبة: ٧٢]. وهذا الرِّضا جزاءٌ على رضاهم عنه في الدُّنيا، فكما كان هذا الجزاء أفضل الجزاء كان سببُه أفضلَ الأعمال.

الخامس والأربعون: أنَّ العبد إذا رضي به وعنه في جميع الحالات= لم يتخيَّر عليه المسائل، وأغناه رضاه بما يقسمه له ويقدِّره ويفعله به عن ذلك، وجعل له ذِكرَه في محلِّ سؤاله، بل يكون سؤاله له الإعانة على بلوغ رضاه (٢)، فهذا يُعطى أفضلَ ما يعطاه سائل، كما جاء في الأثر المعروف: «من


(١) «له» من ش، ع. وفي ج، ن: «لم يكن معوَّله».
(٢) ع: «على ذكره وبلوغ رضاه».

<<  <  ج: ص:  >  >>