للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

التاسع والخمسون: أنَّ الله نهى عن التّقدُّم بين يديه ويدي رسوله في حكمه الدينيِّ الشرعيِّ، وذلك عبوديَّة هذا الأمر. فعبوديَّة أمره الكوني القدري: أن لا يتقدَّم بين يديه إلَّا حيث كانت المصلحة الراجحة في ذلك، فيكون التقدُّم بأمره أيضًا الكونيِّ والديني. فإذا كان فرضُه الصبر، وندبُه ــ أو فرضُه ــ الرِّضا حتى ترك ذلك= فقد تقدَّم بين يدي شرعه وقدره.

الستُّون: أنَّ المحبَّة والإخلاص والإنابة لا تقوم إلَّا على ساق الرِّضا. فالمحبُّ راضٍ عن حبيبه في كلِّ حاله. وقد كان عمران بن حصينٍ استسقى بطنُه، فبقي ملقًى على ظهره مدَّةً طويلة لا يقوم ولا يقعد، وقد نُقب له في سريره موضعٌ لحاجته. فدخل عليه مطرِّف بن عبد الله بن الشِّخِّير، فجعل يبكي لما رأى من حاله، فقال له: لم تبكي؟ فقال: لأنِّي أراك على هذه الحال العظيمة، فقال: لا تبكِ، فإنَّ أحبَّه إليَّ أحبُّه إليه. وقال: أخبرك بشيءٍ لعلَّ الله أن ينفعك به، واكتُمْ عليَّ حتَّى أموت، إنَّ الملائكة تزورني فآنس بها، وتسلِّم عليَّ فأسمع تسليمها (١).

ولمَّا قدم سعد بن أبي وقّاصٍ إلى مكَّة وقد كُفَّ بصره جعل الناس يهرعون إليه ليدعو لهم، فجعل يدعو لهم. قال عبد الله بن السائب: فأتيته


(١) الخبر بهذا السياق في «قوت القلوب» (٢/ ٤٣). وأخرجه ابن المبارك في «الزهد» (٤٦١، ٤٦٢) وابن سعد في «الطبقات» (٥/ ١٩٤، ١٩٥) وابن أبي شيبة (٣٥٨٣٨) وابن أبي الدنيا في «الرضا عن الله بقضائه» (٦٠، ٦١) والبيهقي في «الشعب» (٩٤٩٩، ٩٥٠٠) بنحوه إلى قوله: «فإنَّ أحبَّه إليَّ أحبُّه إلى الله». وأما إخباره مطرِّفًا بتسليم الملائكة عليه، فقد صحَّ من وجه آخر في «صحيح مسلم» (١٢٢٦/ ١٦٧، ١٦٨) وغيره.

<<  <  ج: ص:  >  >>