للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وللهداية (١) مرتبةٌ أخرى ــ وهي آخر مراتبها ــ وهي الهداية يوم القيامة إلى طريق الجنّة، وهو الصِّراط المُوصِل إليها. فمن هُدي في هذه الدّار إلى صراط الله المستقيم، الذي أرسل به رسوله، وأنزل به كتابه، هُدي هناك إلى الصِّراط المستقيم المُوصِل إلى جنّته ودار ثوابه. وعلى قدر ثبوت قدمه على هذا الصِّراط الذي نصبه الله لعباده في هذه الدّار، يكون ثبوتُ قدمه على الصِّراط المنصوب على متن جهنّم. وعلى قدر سيره على هذا الصِّراط يكون سيرُه على ذاك الصِّراط. فمنهم من يمرُّ كالبرق، ومنهم من يمرُّ كالطَّرْف، ومنهم من يمرُّ كشدِّ الرِّكاب، ومنهم من يسعى سعيًا، ومنهم من يمرُّ مشيًا، ومنهم من يحبو حَبْوًا، ومنهم المخدوش المسلَّم، ومنهم المُكَرْدَس (٢) في النّار. فلينظر العبد سيرَه على ذلك الصِّراط من سيره على هذا، حذوَ القُذَّة بالقُذَّة جزاءً وفاقًا {هَلْ تُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} [النمل: ٩٠].

ولينظر الشّهوات والشبهات (٣) التي تعُوقه عن سيره على هذا الصِّراط المستقيم، فإنّها الكلاليب التي بجنبتَيْ ذاك الصِّراط، تخطَفه وتعُوقه عن المرور عليه؛ إن كثرت هنا وقويت، فكذلك هي هناك، {وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ} [فصلت: ٤٦].


(١) ق: "الهداية".
(٢) وهو الذي تجمع يداه ورجلاه ويلقى في النار. وقد جاء هذا اللفظ في "المستدرك" (٤/ ٥٨٣، ٥٨٩) وغيره. وفي حديث البخاري (٧٤٣٩) ومسلم (١٨٣) عن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه -: "مكدوس"، أي مطروح.
(٣) ع: "الشبهات والشهوات".

<<  <  ج: ص:  >  >>