للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

على مرضاته: أن يَسخَطَ عليه مَن آثرَ رضاه، ويَخْذُلَه مِن جهته، ويجعلَ محنتَه على يديه، فيعودَ حامدُه ذامًّا. ومن آثرَ مرضاتَه ساخطًا، فلا على مقصوده منهم حصلَ، ولا إلى ثوابِ مرضاةِ (١) ربِّه وصلَ. وهذا أعجزُ الخلق وأحمقُهم.

هذا مع أنّ رضا الخلق لا مقدورٌ ولا مأمورٌ، فهو مستحيلٌ، بل لا بدَّ من سَخَطِهم عليك، فلَأَنْ يَسخَطُوا عليك وتفوزَ برضا الله عنك أحبُّ إليك وأنفعُ لك من أن يَسخطوا عليك والله عنك غيرُ راضٍ. فإذا كان سَخَطُهم لا بدَّ منه على التّقديرين، فآثِرْ سَخَطَهم الذي تَنال به رضا الله، فإن هم رَضُوا عنك بعد هذا، وإلّا فأهونُ شيءٍ رضا من لا ينفعك رضاه (٢)، ولا يضرُّك سخطُه في دينك ولا في إيمانك ولا في آخرتك، وإن ضَرَّك في أمرٍ يسيرٍ في الدُّنيا فمضرّةُ سَخَطِ الله أعظمُ وأعظمُ.

وخاصَّةُ العقلِ: احتمالُ أدنى المفسدتينِ لدفع أعلاهما، وتفويتُ أدنى المصلحتينِ لتحصيل أعلاهما. فوازِنْ بعقلك، ثمّ انظُرْ أيُّ الأمرينِ خيرٌ فآثِرْه، وأيُّهما شرٌّ فابعدْ عنه. فهذا برهانٌ قطعيٌّ ضروريٌّ في إيثار رضا الله على رضا الخلق.

هذا مع أنّه إذا آثرَ رضا الله كفاه الله مُؤْنةَ غضبِ الخلق، وإذا آثرَ رضاهم (٣) لم يَكْفُوه مُؤنةَ غضبِ الله عليه.


(١) د: «ثوابه ومرضاة».
(٢) «رضاه» من ل فقط.
(٣) ل: «رضا الخلق».

<<  <  ج: ص:  >  >>