للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وهم الأنبياء عليهم السلام. وكلَّم سائرَ العباد على ألسنة رسله، فأنزل عليهم كلامه الذي بلَّغته رسله عنه، وقالوا لهم: هذا كلام الله الذي تكلَّم به، وأمَرَنا بتبليغه إليكم. ومن هاهنا قال السّلف - رضي الله عنهم -: من أنكر كون الله متكلمًا فقد أنكر رسالة الرُّسل كلِّهم، لأنّ حقيقتها تبليغ كلامه الذي تكلَّم به إلى عباده، فإذا انتفى تكلُّمُه انتفى إرسالُه (١).

وقال تعالى في سورة طه عن السّامريِّ: {فَأَخْرَجَ لَهُمْ عِجْلًا جَسَدًا لَهُ خُوَارٌ فَقَالُوا هَذَا إِلَهُكُمْ وَإِلَهُ مُوسَى فَنَسِيَ (٨٨) أَفَلَا يَرَوْنَ أَلَّا يَرْجِعُ إِلَيْهِمْ قَوْلًا وَلَا يَمْلِكُ لَهُمْ ضَرًّا وَلَا نَفْعًا} [طه: ٨٨ - ٨٩]. ورجعُ القول هو التّكلُّم والتّكليم.

وقال تعالى: {وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا رَجُلَيْنِ أَحَدُهُمَا أَبْكَمُ لَا يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ وَهُوَ كَلٌّ عَلَى مَوْلَاهُ أَيْنَمَا يُوَجِّهْهُ لَا يَأْتِ بِخَيْرٍ هَلْ يَسْتَوِي هُوَ وَمَنْ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَهُوَ عَلَى} [النحل: ٧٦]، فجعَل نفيَ صفات الكمال موجبًا لبطلان الإلهيّة.

وهذا أمرٌ معلومٌ بالفطر والعقول والكتب السّماويّة: أنّ فاقد صفات الكمال لا يكون إلهًا ولا مدبِّرًا ولا ربًّا، بل هو مذمومٌ معيبٌ ناقصٌ، ليس له الحمد (٢). وإنّما الحمد لمن له صفات الكمال ونعوت الجلال التي لأجلها استحقَّ الحمدَ. ولهذا سمَّى السّلف كتبهم التي صنّفوها في السُّنّة وإثبات صفات الرّبِّ وعلوِّه على خلقه وكلامه وتكليمه: توحيدًا، لأنَّ نفيَ ذلك (٣)


(١) م، ش، ع: "انتفت رسالته". وانظر: "الكافية الشافية" (٢/ ٢٢١) و"مختصر الصواعق" (ص ١٣٠١).
(٢) في ع بعده زيادة: "لا في الأولى ولا في الآخرة".
(٣) في ع بعده زيادة: "وإنكاره".

<<  <  ج: ص:  >  >>