للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قوله: (أشاروا إلى منزلٍ، وهم في غيره) يعني: يشيرون إلى منزل التّوبة والمحاسبة، وهم في منزل المحبّة والوَجْد والذّوق ونحوها.

وقد يريد: أنّهم يشيرون إلى أنّهم عامّةٌ وهم خاصّة الخاصّة، وإلى أنّهم جهّالٌ وهم العارفون بالله، وأنّهم مسيئون وهم المحسنون (١). وعلى هذا فيكونون من الطّائفة المَلامَتيّة، الذين يُظهرون ما لا يُمدَحون عليه، ويُسرُّون ما يَحمدهم الله عليه، عكس المرائين المنافقين.

وهؤلاء طائفةٌ معروفةٌ، لهم طريقٌ معروفةٌ، تسمّى طريق أهل الملامة، وتسمّى (٢) الطّائفة الملامتيّة (٣)، ويزعمون أنّهم يحتملون ملامَ النّاسِ لهم على ما يظهرونه من الأعمال، ليخلص لهم ما يبطنونه من الأحوال. ويحتجُّون بقوله تعالى: {دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لَائِمٍ} [المائدة: ٥٤].

فهم عاملون على إسقاط جاههم ومنزلتهم في قلوب النّاس، لمّا رأوا المغترِّين ــ المغترّ بهم ــ من المنتسبين إلى السُّلوك يعملون على تربية (٤) نفوسهم، وتوفير جاههم في قلوب النّاس، فعاكسهم هؤلاء وأظهروا بطالةً وأبطنوا أعمالًا، وكتموا أحوالهم جهدهم، وينشدون في هذه الحال (٥):


(١) ط، ر: «محسنون».
(٢) ر، ط: «وهم».
(٣) ينظر ما سيأتي (٤/ ٤١)، و «إغاثة اللهفان»: (١/ ٢٠٦)، و «الاستقامة»: (١/ ٢٦٤).
(٤) ط: «تزكية».
(٥) البيتان لأبي فراس الحمداني «ديوانه» (ص ١٦).
وفي ر، ط زيادة بيت ثالث، وأنشده المؤلف في «الرسالة التبوكية» (ص ٩٢) وهو للمتنبي:
إذا صحّ منك الودُّ يا غاية المنى ... فكلُّ الذي فوق التُّراب تراب

<<  <  ج: ص:  >  >>