للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ضعيفٍ أغبر ذي طمرين لا يؤبه له، لو أقسم على الله لأبرّه» (١).

وقال الحسن: المؤمن في الدُّنيا كالغريب لا يجزع مِن ذلِّها، ولا ينافس في عزِّها، للناس حالٌ وله حالٌ، النّاس منه في راحةٍ وهو من نفسه في تعبٍ (٢).

ومن صفات هؤلاء الغرباء الذين غبطَهم النّبيُّ - صلى الله عليه وسلم -: التّمسُّكُ بالسُّنّة إذا رغب عنها النّاس، وتَرْكُ ما أحدثوه وإن كان هو المعروف عندهم، وتجريدُ التّوحيد وإن أنكرَ ذلك أكثر النّاس، وتَرْكُ الانتساب إلى أحدٍ غير الله ورسوله، لا شيخ ولا طريقة ولا مذهب ولا طائفة، بل هؤلاء الغرباء منتسبون إلى الله بالعبوديّة له وحده، وإلى رسوله بالاتِّباع لما جاء به وحده، وهؤلاء هم القابضون على الجمر حقًّا، وأكثر النّاس بل كلُّهم لائمٌ لهم؛ فلغربتهم بين هذا الخلق: يَعُدُّونهم أهلَ شذوذٍ وبدعةٍ، ومفارَقةٍ للسّواد الأعظم.

ومعنى قول النّبيِّ - صلى الله عليه وسلم -: «إنهم (٣) النُّزّاع من القبائل» أنّ الله سبحانه بعث رسولَه وأهل الأرض على أديانٍ مختلفةٍ، فهم بين عبّاد أوثانٍ وعُبّاد نيرانٍ، وعبّاد صلبانٍ (٤)، ويهودٍ وصابئةٍ وفلاسفةٍ، وكان (٥) الإسلام في أوّل ظهوره غريبًا، وكان مَن أسلم منهم واستجاب لله ورسوله غريبًا في حيِّه وقبيلته وأهله


(١) تقدم تخريجه.
(٢) أخرجه ابن أبي الدنيا في «محاسبة النفس» (٧٨)، وأخرجه من طريق أخرى بنحوه أحمد في «الزهد» (ص ٢٦٢)، وابن أبي شيبة (٣٦٣٥٨)، وغيرهم ... وقوله: «الناس منه .. في تعب» ليست في د، ت.
(٣) ر: «هم».
(٤) ر، ط زيادة: «صور وصلبان».
(٥) ش: «فكان».

<<  <  ج: ص:  >  >>