للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وكشف العيان: أن يصير المعلوم مشاهَدًا للقلب، كما تُشاهِد العينُ المرئيَّ.

ومن ظنَّ من القوم أنّ كشف العين ظهورُ الذّات المقدّسة لعيانه حقيقةً فقد غلِطَ أقبحَ الغلط، وأحسنُ أحواله: أن يكون صادقًا ملبوسًا عليه، فإنّ هذا لم يقع في الدُّنيا لبشرٍ قطُّ، وقد مُنِع منه كليم الرّحمن.

واختلف السّلف والخلف: هل حصل هذا لسيِّد ولد آدم صلوات الله وسلامه عليه؟ فالأكثرون على أنّه لم يَرَه سبحانه، وحكاه عثمان بن سعيدٍ الدّارميُّ (١) إجماعًا من الصّحابة، فمن ادّعى كشف العيان البصريِّ عن الحقيقة الإلهيّة فقد وهم وأخطأ. وإن قال: إنّما هو كشف العيان القلبيِّ، بحيث يصير سبحانه كأنّه مرئيٌّ للعبد، كما قال النّبيُّ - صلى الله عليه وسلم -: «اعبُدِ الله كأنّكَ تراه» (٢) = فهذا حقٌّ، وهو قوّة يقينٍ ومزيدُ علمٍ فقط.

نعم؛ قد يظهر له نورٌ عظيمٌ، فيتوهّم أنّ ذلك نور الحقيقة، وأنّها تجلَّتْ له، وذلك غلطٌ أيضًا، فإنّ نور الرّبِّ تعالى لا يقوم له شيءٌ، ولمّا ظهر للجبل منه أدنى شيءٍ ساخَ الجبلُ وتدكدكَ. وقال ابن عبّاسٍ في قوله تعالى: {لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ} [الأنعام: ١٠٣] قال: ذاك نوره الذي هو نوره، إذا تجلّى به لم يقُمْ له شيءٌ (٣).

هذا النُّور الذي يظهر للصّادق هو نور الإيمان الذي أخبر الله عنه في


(١) في «النقض على المريسي» (٢/ ٧٣٨ ط. الرشد).
(٢) أخرجه البخاري (٥٠) , ومسلم (٩) من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه -.
(٣) أخرجه الترمذي (٣٢٧٩)، والطبري في «تفسيره» (٢٢/ ٢٢)، وابن أبي حاتم (٤/ ١٣٦٣)، والحاكم في «المستدرك» (٢/ ٣١٦) وغيرهم.

<<  <  ج: ص:  >  >>