للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قوله: {مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ} [النور: ٣٥]. قال أبيُّ بن كعبٍ: مثل نوره في قلب المؤمن (١). فهذا نورٌ يضاف إلى الربِّ ويقال: هو (٢) نور الله، كما أضافه سبحانه إلى نفسه. والمراد: نور الإيمان جعله الله له خلقًا وتكوينًا، كما قال تعالى: {وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُورًا فَمَا لَهُ مِنْ} [النور: ٤٠].

وهذا النُّور إذا تمكَّن في القلب وأشرق فيه فاضَ على الجوارح، فيُرى أثره في الوجه والعين، ويظهر في القول والعمل، وقد يقوى حتّى يشاهده صاحبه عيانًا، وذلك لاستيلاء أحكام القلب عليه وغَيبةِ أحكام النّفس. والعين شديدة الارتباط بالقلب، تُظهِر ما فيه، فتقوى مادّة النُّور في القلب، ويغيب صاحبه بما في قلبه عن أحكام حسِّه، بل وعن أحكام العلم، فينتقل من أحكام العلم إلى أحكام العيان.

وسرُّ المسألة: أنّ أحكام الطّبيعة والنّفس شيءٌ، وأحكام القلب شيءٌ، وأحكام الرُّوح شيءٌ، وأنوار العيان شيءٌ، وأنوار استيلاء معاني الصِّفات والأسماء على القلب شيءٌ، ونور الذّات المقدّسة شيءٌ وراء ذلك كلِّه.

فهذا الباب يغلَطُ فيه رجلان؛ أحدهما: غليظ الحجاب، كثيف الطّبع، والآخر: قليل العلم، يلتبس عليه ما في الذِّهن بما في الخارج، ونور المعاملات بنور ربِّ الأرض والسّماوات، {وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُورًا فَمَا لَهُ مِنْ نُّورٍ}.


(١) في «تفسير البغوي» (٣/ ٣٤٥) أنه قول ابن مسعود. أما أبي بن كعب فكان يقرأ (مثل نورِ من آمن به)، وهو عبد جُعل الإيمان والقرآن في صدره. وانظر: «تفسير الطبري» (١٧/ ٢٩٨)، وابن أبي حاتم (٨/ ٢٥٩٣)، و «المستدرك» للحاكم (٢/ ٣٩٩، ٤٠٠).
(٢) د: «له».

<<  <  ج: ص:  >  >>