للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

من أعظم القواطع عنه= فحاله أيضًا كحال هذا، وكلاهما (١) فاسد القصد.

ولا شفاء من هذا المرض إلّا بدواء {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ}، فإنّ هذا الدّواء مركّبٌ من ستّة أجزاءٍ: عبوديّة لله لا لغيره، بأمره وشرعه، لا بالهوى، وبآراء الرِّجال (٢) وأوضاعهم ورسومهم وأفكارهم، واستعانةٍ على عبوديّته به، لا بنفس العبد وقوّته وحوله ولا بغيره. فهذه أجزاء {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ}، فإذا ركَّبها الطَّبيبُ (٣) العالمُ بالمرض، واستعملها المريض، حصل بها الشِّفاء التّامُّ. وما نقَص من الشِّفاء فهو لفوَاتِ جزءٍ من أجزائها، أو اثنين أو أكثر.

ثمّ إنّ القلب يعرض له مرضان عظيمان، إن لم يتداركهما تراميا به إلى التَّلَف ولا بدَّ؛ وهما: الرِّياء، والكبر. فدواء الرِّياء بـ {إِيَّاكَ نَعْبُدُ}، ودواء الكبر بـ {إِيَّاكَ نَسْتَعِينُ}. وكثيرًا ما كنتُ أسمع شيخَ الإسلام ابن تيميّة (٤) قدّس الله روحَه يقول: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ} تدفع الرِّياء، {وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} تدفع الكبرياء (٥).

فإذا عوفي من مرض الرِّياء بـ {إِيَّاكَ نَعْبُدُ}، ومن مرض الكبر والعُجْب بـ {إِيَّاكَ نَسْتَعِينُ}، ومن مرض الضَّلال والجهل بـ {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ} = عوفي من أمراضه وأسقامه، ورَفَل في أثواب العافية، وتمَّت عليه


(١) ل، م: "فكلاهما".
(٢) ع: "ولا بآراء الرجال".
(٣) بعده في ع زيادة: "اللطيف".
(٤) "ابن تيمية" ساقطة من ش.
(٥) انظر: "مجموع الفتاوى" (١٠/ ٢٧٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>