للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ديارهم» (١).

فإذا انضمّ هذا الشّاهد إلى الشاهد الذي قبله فهناك يسير القلب إلى ربِّه أسرعَ من سيرِ الرِّياح من مَهابِّها، فلا يلتفت في طريقه يمينًا ولا شمالًا.

هذا، وفوق ذلك شاهدٌ آخر تضمحلُّ فيه هذه الشّواهد، ويغيب العبد به عنها كلِّها، وهو شاهد جلالِ الرّبِّ تعالى وجمالِه وكماله، وعزِّه وسلطانه، وقيُّوميّته وعلوِّه فوق عرشه، وتكلُّمِه بكتبه وكلماتِ تكوينه، وخطابه لملائكته وأنبيائه.

فإذا شاهدَ بقلبه قيُّومًا قاهرًا فوقَ عباده، مستويًا على عرشه، منفردًا بتدبير مملكته، آمرًا ناهيًا، مرسلًا رسله، ومُنزِلًا كتبه، يرضى ويغضب، ويُثيب ويعاقب، ويعطي ويمنع، ويُعِزُّ ويُذِلُّ، ويحبُّ ويبغض، يرحم إذا اسْتُرحِم، ويغفر إذا استُغْفِر، ويُعطي إذا سْئل، ويجيب إذا دُعي، ويُقِيل إذا استُقِيل، أكبرُ من كلِّ شيءٍ، وأعظمُ من كلِّ شيءٍ، وأعزُّ من كلِّ شيءٍ، وأقدرُ من كلِّ شيءٍ، وأعلمُ من كلِّ شيءٍ، وأحكمُ من كلِّ شيءٍ، فلو كانت قوى الخلائق كلِّهم على واحدٍ منهم، ثمّ كانوا كلُّهم على تلك القوّة، ثمّ نُسِبَتْ تلك القوى إلى قوّتِه تعالى لكانت أقلَّ من قوّة البعوضة بالنِّسبة إلى قوّة الأسد، ولو قُدِّر جمالُ الخلق كلُّهم على واحدٍ منهم، ثمّ كانوا كلُّهم بذلك الجمال، ثمّ نُسِب إلى جمال الرّبِّ تعالى لكان دونَ سِراجٍ ضعيفٍ بالنِّسبة إلى عين الشّمس، ولو كان علمُ الأوّلين والآخرين على رجلٍ منهم، ثمّ كان


(١) أخرجه ابن ماجه (١٨٤) من حديث جابر بن عبد الله - رضي الله عنه -. وفي إسناده الفضل بن عيسى الرقاشي متروك.

<<  <  ج: ص:  >  >>