فيشاهد قلبُه ربًّا قاهرًا فوقَ عباده، آمرًا ناهيًا، باعثًا لرسله، مُنزِلًا لكتبه، معبودًا مطاعًا، لا شريكَ له، ولا مثيلَ له، ولا عدلَ له، ليس لأحدٍ معه من الأمر شيءٌ، بل الأمر كلُّه له، فيشهده سبحانه قائمًا بالملك والتّدبير، فلا حركة ولا سكون، ولا نفع ولا ضرّ، ولا عطاء ولا مَنْع، ولا قبض ولا بسط إلّا بقدرته وتدبيره، فيشهد قيامَ الكون كلِّه به، وقيامَه سبحانه بنفسه، فهو القائم بنفسه، المقيمُ لكلِّ ما سواه.
فإذا رسخَ قلبه في ذلك شهد الصِّفةَ المصحِّحة لجميع صفات الكمال، وهي الحياة التي كمالها يستلزم كمالَ السّمع والبصر والقدرة والإرادة والكلام وسائر صفات الكمال، وصفةَ القيُّوميّة المصحِّحة لجميع الأفعال، فالحيُّ القيُّوم: من له صفة الكمال، وهو الفعّال لما يريد.
فإذا رسخ قلبه في ذلك فُتِح له بمشهد القرب والمعيّة، فيشهده سبحانه حاضرًا معه غيرَ غائبٍ، قريبًا غير بعيدٍ، مع كونه فوقَ سماواته على عرشه، بائنًا من خلقه، قائمًا بالصُّنع والتّدبير والخلق والأمر، فيحصل له مع التّعظيم والإجلال الأنسُ بهذه الصِّفة، فيأْنَس بعد أن كان مستوحشًا، ويَقوى بعد أن كان ضعيفًا، ويفرح بعد أن كان حزينًا، ويجِدُ بعدَ أن كان فاقدًا. فحينئذٍ يجد طعْمَ قوله:«ولا يزال عبدي يتقرَّبُ إليّ بالنّوافل حتّى أُحبّه، فإذا أحببتُه كنتُ سمْعَه الذي يسمع به، وبصَرَه الذي يبصر به، ويدَه التي يَبطِش بها، ورِجْلَه التي يمشي بها، ولئن سألني لأُعطِينّه، ولئن استعاذني لأُعِيذنَّه»(١).
فأطيبُ الحياة على الإطلاق حياة هذا العبد، فإنّه محبٌّ محبوبَه، يتقرِّبُ
(١) أخرجه البخاري (٦٥٠٢) من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه -.