للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومن علامات العارف: أنَّه لا يطالب ولا يخاصم، ولا يعاتب، ولا يرى له على أحدٍ فضلًا، ولا يرى له على أحدٍ حقًّا.

ومن علاماته: أنَّه لا يأسف على فائتٍ، ولا يفرح بآتٍ؛ لأنَّه ينظر إلى الأشياء بعين الفناء والزوال، لأنَّها في الحقيقة كالظِّلال والخيال.

وقال الجنيد: لا يكون العارف عارفًا حتى يكون كالأرض يطؤها البَرُّ والفاجر، وكالسحاب يُظلُّ كلَّ شيءٍ، وكالمطر يَسقي ما يحبُّ وما لا يحبُّ (١).

وقال يحيى بن معاذٍ: يخرج العارف من الدُّنيا ولم يَقضِ وطرَه من شيئين: بكاؤه على نفسه، وثناؤه على ربِّه (٢). وهذا من أحسن الكلام، فإنَّه يدلُّ على معرفته بنفسه وعيوبه وآفاته، وعلى معرفته بربِّه وكماله وجلاله، فهو شديد الإزراء على نفسه، لَهِجٌ بالثناء على ربِّه.

وقال أبو يزيد: إنما نالوا المعرفة بتضييع ما لهم والوقوف مع ما له (٣). يريد تضييعَ حظوظهم، والوقوفَ مع حقوق الله سبحانه وتعالى، فتُفنيهم حقوقُه عن حظوظهم.

وقال آخر: لا يكون العارف عارفًا حتَّى لو أعطي ملك سليمان لم يَشْغَله عن الله طرفة عينٍ (٤). وهذا يحتاج إلى شرحٍ، فإنَّ ما هو دون ذلك يَشْغَل


(١) «القشيرية» (ص ٦٤٣).
(٢) «القشيرية» (ص ٦٤٣).
(٣) «القشيرية» (ص ٦٤٣)، وقد أسنده السلمي في «طبقاته» (ص ٧١).
(٤) أسنده القشيري (ص ٦٤٣) عن يوسف بن علي، ولم أتبيَّن من هو.

<<  <  ج: ص:  >  >>