للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

القلب، لكن يكون اشتغاله بغير الله لله، فذلك اشتغالٌ به سبحانه، لأنَّه إذا اشتغل بغيره لأجله لم يشتغل عنه.

وقال ابن عطاءٍ: المعرفة على ثلاثة أركانٍ: الهيبة والحياء والأنس (١).

وقيل لذي النُّون: بم عرفت ربَّك؟ فقال: عرفت ربِّي بربِّي، ولولا ربِّي لما عرفت ربِّي (٢).

وقيل لعبد الله بن المبارك: بماذا نعرف ربَّنا؟ قال: بأنَّه فوق سماواته على عرشه بائنٌ من خلقه (٣). فأتى عبد الله بأصل المعرفة التي لا يصحُّ لأحدٍ معرفةٌ ولا إقرارٌ بالله سبحانه إلَّا به، وهو المباينة والعلوُّ على العرش.

ومن علامات العارف (٤): أن يعتزل الخلق بينه وبين الله، حتَّى كأنَّهم أمواتٌ لا يملكون له ضَرًّا ولا نفعًا، ولا موتًا ولا حياةً ولا نشورًا؛ ويعتزلَ نفسه بينه وبين الخلق، حتى يكون بينهم بلا نفسٍ. وهذا معنى قول من قال: العارف يقطع الطريق بخطوتين: خطوة عن نفسه، وخطوة عن الخلق.

وقيل: العارف ابن وقته (٥). وهذا من أحسن الكلام وأخصره، فهو مشغولٌ بوظيفة وقته عمَّا مضى وصار في العدم، وعمَّا لم يدخل بعدُ في


(١) أسنده القشيري (ص ٦٤٣).
(٢) أسنده القشيري (ص ٦٤٣) بمثله، والسلمي في «طبقاته» (ص ٧٢) بنحوه.
(٣) أسنده عثمان الدارمي في «الرد على الجهمية» (ص ٤٧، ٩٨) وعبد الله بن أحمد في «السنة» (٢٢) وابن المقرئ في «معجمه» (٢٩١) وغيرهم بإسناد صحيح.
(٤) هنا انتهى السقط في د، الذي بدأ (ص ٢٨٤).
(٥) «القشيرية» (ص ٢٣٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>