للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أقلُّ من نسبة سراجٍ ضعيفٍ إلى عين الشمس؟

ولمَّا علم سبحانه أنَّ قوى الأبصار (١) لا تحتمل في هذه الدار رؤيتَه، احتجب عن عباده إلى يوم لقائه (٢)، فينشئهم نشأةً يتمكَّنون بها من مشاهدة جماله ورؤية وجهه؛ وأنت ترى بعض آياته ومخلوقاته ومبدعاته كيف يفنى فيها مشاهدها عن غيرها!

ولكنَّ هذا كلَّه في المشاهدات العيانيَّة، والواردات الوجدانيَّة. وأمَّا المعارف الإلهيَّة، فإنَّ حالة البقاء فيها أكمل من حالة الفناء، وهي حالة نبيِّنا صلوات الله وسلامه عليه، وحال الكُمَّل من أتباعه، ولهذا رأى ما رأى ليلة الإسراء وهو ثابت القلب، رابط الجأش، حاضر الإدراك، تامُّ التمييز، ولو رأى غيرُه بعضَ بعضِ (٣) ذلك لما تمالك.

فإن قلت: ربَّما أفهمُ معنى فناء المعرفة في المعروف وفناء العِيان في المعايَن، فما معنى (فناء الطلب في الوجود)، حتَّى يكون (هو الفناء حقًّا)؟

قلت: متى فهمت الأمرين اللَّذَين قبله فهمت معناه، فإنَّ الواجد لمَّا ظفر بموجوده فني طلبُه له واضمحلَّ. وهذا مشهودٌ في الشاهد، فإنَّك ترى طالب أمرٍ مهمٍّ إذا ظفرت يداه به وبرَدَ له (٤) كيف يفنى طلبُه في وجوده (٥). لكن هذا


(١) ر: «البشر»، وفوقه: «لعله».
(٢) ت، ر: «القيامة».
(٣) كذا في جميع النسخ بتكرار «بعض»، ولم يرد في المطبوعات إلا مرة واحدة.
(٤) ر: «وبِدَركه»، تصحيف. ومعنى «برد له» أي: حصل له بحيث تمكَّن مِن أخذه. ومنه قول المؤلف في «زاد المعاد» (٣/ ٥٩٤): «وبردت الغنائم لأهلها».
(٥) ر، طبعة الفقي: «كيف يبرد طلبه ويفنى في وجوده».

<<  <  ج: ص:  >  >>