وإذا تدبَّرتَ القرآنَ رأيتَه (١) ينادي على ذلك، ويبديه ويعيده لمن له فهمٌ وقلبٌ واعٍ عن الله. قال تعالى: {(٤٣) وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الْأَقَاوِيلِ (٤٤) لَأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ (٤٥) ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ (٤٦) فَمَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ عَنْهُ} [الحاقة: ٤٤ - ٤٧]. أفلا تراه سبحانه يخبر: أنَّ كماله وحكمته وقدرته تأبى أن يُقِرَّ من تقوَّلَ عليه بعضَ الأقاويل؟ بل لابدَّ أن يجعله عبرةً لعباده، كما جرت بذلك سنَّتُه في المتقوِّلين عليه.
وقال تعالى:{وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِذْ قَالُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى بَشَرٍ مِنْ شَيْءٍ}[الأنعام: ٩١]، فأخبر أنَّ مَن نفى عنه الإرسالَ والكلامَ لم يقدِّره حقَّ قدره، ولا عرَفَه كما ينبغي، ولا عظَّمه كما يستحقُّ؛ فكيف من ظنَّ أنّه ينصر الكاذبَ المفتريَ عليه ويؤيِّده، ويُظهِر على يديه الآيات والأدلّة؟
وهذا في القرآن كثيرٌ جدًّا: يستدلُّ بكماله المقدَّس وأوصافه وجلاله على صدق رسله وعلى وعده ووعيده، ويدعو عبادَه إلى ذلك، كما يستدلُّ بأسمائه وصفاته على وحدانيّته وعلى بطلان الشِّرك، كما في قوله: {هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ (٢٢) هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلَامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ} [الحشر: ٢٢ - ٢٣]. وأضعافُ أضعافِ ذلك في القرآن.