للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لكرامة كلِّ سائلٍ عليه. بل يسأله عبدُه الحاجةَ فيقضيها له، وفيها هلاكه وشقوته، ويكون قضاؤها له من هوانه عليه وسقوطه من عينه. ويكون منعُه منها لكرامته عليه ومحبّته له، فيمنعه حمايةً وصيانةً وحفظًا لا بخلًا. وهذا إنّما يفعله بعبده الذي يريد كرامته ومحبّته (١)، ويعامله بلطفه، فيظنُّ بجهله أنّ ربَّه لا يجيبه (٢) ولا يكرمه. ويراه يقضي حوائج غيره، فيسيء ظنَّه بربِّه. وهذا حَشْوُ قلبه ولا يشعر به، والمعصوم من عصمه الله، والإنسان على نفسه بصيرةٌ. وعلامةُ هذا حملُه على الأقدار وعتابُه الباطن لها، كما قيل:

وعاجزُ الرّأي مِضياعٌ لفرصته ... حتّى إذا فات أمرٌ عاتبَ القدَرا (٣)

فوالله لو كُشِف عن حاصله وسرِّه لرأى هناك معاتبة القدر واتِّهامه، وأنّه قد كان ينبغي أن يكون كذا وكذا، ولكن ما حيلتي، والأمر ليس إليّ؟ والعاقلُ خصمُ نفسه، والجاهلُ خصمُ أقدار ربِّه.

فاحذر كلَّ الحذر أن تسأل شيئًا معيّنًا (٤) خيرتُه وعاقبتُه مغيّبةٌ عنك. وإذا لم تجد من سؤاله بدًّا، فعلِّقه على شرط علمِه تعالى فيه الخيرةَ، وقدِّم بين


(١) لم يرد "ومحبته" في ش.
(٢) كذا في جميع النسخ، وقد يكون تصحيف: "لا يحبُّه".
(٣) تمثَّل به المؤلف في "طريق الهجرتين" (١/ ١٣٥) و"الفوائد" (ص ٢٦٤) و"الروح" (٢/ ٦٦٦) أيضًا. وهو في "البيان" للجاحظ (٢/ ٣٥٠) و"عيون الأخبار" (١/ ٣٤) عن الرياشي دون عزو. وعزاه المرزباني في "معجم الشعراء" (ص ٤٨٦) ليحيى بن زياد وروايته: "والمرء تلقاه مضياعًا ... ". وبهذه الرواية في "الدرّ الفريد" (٢/ ٣٤٣ - سز كين) ضمن قصيدة لابن أبي عيينة.
(٤) ش، ج: "مغيَّبًا".

<<  <  ج: ص:  >  >>