للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يدي سؤالك (١) الاستخارة، ولا تكن (٢) استخارةً باللِّسان بلا معرفةٍ، بل استخارةَ من لا علمَ له بمصالحه، ولا قدرةَ له عليها، ولا اهتداءَ له إلى تفاصيلها، ولا يملك لنفسه نفعًا ولا ضرًّا (٣)؛ بل إن وُكِل إلى نفسه هلَك كلَّ الهلاك، وانفرط عليه أمرُه.

وإذا أعطاك ما أعطاك بلا سؤالٍ فسَلْه أن يجعله عونًا على طاعته، وبلاغًا إلى مرضاته، ولا يجعله قاطعًا لك عنه، ولا مبعدًا عن مرضاته. ولا تظنُّ أنّ عطاءه (٤) كلَّ ما أعطى لكرامة عبده عليه، ولا منعَه كلَّ ما يمنعه لهوان عبده عليه. ولكن عطاؤه ومنعُه ابتلاءٌ وامتحانٌ يمتحن بهما عباده.

قال تعالى: {فَأَمَّا الْإِنْسَانُ إِذَا مَا ابْتَلَاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ (١٥) وَأَمَّا إِذَا مَا ابْتَلَاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَهَانَنِ (١٦) كَلَّا} [الفجر: ١٥ - ١٧]. أي ليس كلُّ من أعطيتُه ونعَّمتُه وخوَّلتُه فقد أكرمتُه. وما ذاك لكرامته عليّ، ولكنّه ابتلاءٌ منِّي وامتحانٌ له: أيشكرني فأعطيه فوق ذلك، أم يكفرني فأسلبه إيّاه، وأخوِّله (٥) غيرَه! وليس كلُّ من ابتليته فضيّقتُ عليه رزقَه، وجعلتُه بقدرٍ لا يفضُل عنه، فذلك من هوانه عليّ؛ ولكنّه ابتلاءٌ وامتحانٌ منِّي له: أيصبر فأعطيه أضعاف أضعاف ما فاته من سعة الرِّزق، أم يتسخَّط فيكون حظُّه السُّخط!


(١) "يدي" من ج، ع وكذا في هامش م. وفي ش: "وقدم من سؤالك".
(٢) ما عدا ج، ع: "يمكن"، وفي هامش ش: "ظ ولا يكفي". وفي هامش م كما أثبت.
(٣) ع: "ضرًّا ولا نفعًا".
(٤) ما عدا ع: "عطاء".
(٥) ع: "وأخوِّل فيه".

<<  <  ج: ص:  >  >>