للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فردَّ الله سبحانه على من ظنَّ أنّ سعةَ الرِّزق إكرامٌ، وأنّ الفقر إهانةٌ، فقال: لم أبتلِ عبدي بالغنى لكرامته عليّ، ولم أبتلِه بالفقر لهوانه عليّ. فأخبر أنّ الإكرام والإهانة لا يدوران (١) على المال وسعة الرِّزق وتقديره، فإنّه يوسِّع على الكافر لا لكرامته، ويقتِّر على المؤمن لا لإهانته له، إنّما يُكرم مَن يُكرمه بمعرفته ومحبّته وطاعته، ويهين مَن يهينه بالإعراض عنه ومعصيته. فله الحمد على هذا وعلى هذا، وهو الغنيُّ الحميد.

فعادت سعادة الدُّنيا والآخرة إلى {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ}.

فصل

القسم الثّالث: من له نوع عبادةٍ بلا استعانةٍ، وهؤلاء نوعان:

أحدهما: القدريّة القائلون بأنّه قد فعَل بالعبد جميعَ مقدوره من الألطاف، وأنّه لم يبق في مقدوره إعانةٌ له على الفعل. فإنّه قد أعانه بخلق الآلات وسلامتها، وتعريف الطّريق، وإرسال الرَّسول، وتمكينه من الفعل؛ فلم يبق بعد هذا إعانةٌ مقدورةٌ يسأله إيّاها. بل قد ساوى بين أوليائه وأعدائه في الإعانة، فأعان هؤلاء كما أعان هؤلاء؛ ولكن أولياؤه اختاروا لأنفسهم الإيمان، وأعداؤه اختاروا لنفوسهم (٢) الكفر، من غير أن يكون الله سبحانه وفَّقَ هؤلاء بتوفيقٍ زائدٍ أوجبَ لهم الإيمان، وخذَلَ هؤلاء بأمرٍ آخر أوجبَ لهم الكفر. فعُبَّادُ هؤلاء لهم نصيبٌ منقوصٌ من العبادة، لا استعانة معه، فهم موكولون إلى أنفسهم، مسدودٌ عليهم طريقُ الاستعانة والتّوحيد.


(١) ما عدا ع: "لا تدور" بالتاء في ش، ج وبإهمالها في الأخرى.
(٢) ش: "لأنفسهم". وكذا في ع هنا وفي الجملة السابقة: "لنفوسهم".

<<  <  ج: ص:  >  >>