قال ابن عبّاسٍ - رضي الله عنهما -: الإيمانُ بالقدر نظامُ التّوحيد، فمن آمن بالله وكذَّب بقدَره نقَضَ تكذيبُه توحيدَه (١).
النّوع الثّاني: من لهم عباداتٌ وأورادٌ، ولكن حظُّهم ناقصٌ من التّوكُّل والاستعانة. لم تتّسع قلوبهم لارتباط الأسباب بالقدر، وتلاشيها في طيِّه، وقيامها به، وأنّها بدون القدر كالمَوَات الذي لا تأثير له، بل كالعدم الذي لا وجود له، وأنَّ القدَر كالرُّوح المحرِّك لها، والمعوَّلُ على المحرِّك الأوّل. فلم تنفذ قوى بصائرهم من المتحرِّك إلى المحرِّك، ومن السَّبب إلى المسبِّب، ومن الآلة إلى الفاعل. فضعفت عزائمُهم، وقصرت هممُهم، فقلَّ نصيبُهم من {إِيَّاكَ نَسْتَعِينُ}، ولم يجدوا ذوق التّعبد بالتّوكُّل والاستعانة، وإن وجدوا ذوقَه بالأوراد والوظائف.
فهؤلاء لهم نصيبٌ من التّوفيق والنُّفوذ والتّأثير بحسب استعانتهم وتوكُّلهم، ولهم من الخذلان والضّعف والمهانة والعجز بحسب قلَّة استعانتهم وتوكُّلهم. ولو توكَّل العبد على الله حقَّ توكُّله في إزالة جبلٍ عن مكانه وكان مأمورًا بإزالته لأزاله.
فإن قلت: فما معنى التّوكُّل والاستعانة؟
قلت: هو حالٌ للقلب ينشأ عن معرفته بالله تعالى، وتفرُّدِه بالخلق
(١) أخرجه عبد الله بن أحمد في "السنة" (٩٠٢، ٩٠٥ - نشرة آل حمدان) والفريابي في القدر (٢٠٥) والعقيلي في "الضعفاء" (٥/ ٤١١) والطبراني في "الأوسط" (٣٥٧٣) والآجري في "الشريعة" (٤٥٦) وابن بطة في "الإبانة الكبرى" (١٧٣٧، ١٧٣٨، ١٧٤٣ - نشرة آل حمدان) واللالكائي في "شرح أصول الاعتقاد" (١١١٢، ١٢٢٤) من طرق عنه.